فى حوار مع (سونا) د.نافع على نافع: حركات التمرد في الجنوب ومن بعدها حركات دارفور تسببت فى عدم الاستقرار السياسي بالبلاد

احتفالات البلاد بمرور تسع وخمسون عاما على الاستقلال فرصة للوقوف على مضامينه الحقيقية وأين نقف من الأهداف التي اختطها الآباء الاوئل وما حققته الحكومات الوطنية لاستكمال السيادة الوطنية وقفل الباب أمام عودة الاستعمار بصور أخرى لاستخلاص المعاني والقيم الوطنية من مسيرة النضال والثورة الحقيقة التى شهدها السودان.
وعلى إصره أجرت وكالة السودان للأنباء حوارا مهما مع شخصية وطنية وسياسية محنكة عاصر عهود الاستقلال فى فجره الأول وسجل تاريخا سياسيا ناصعا مشبعا بالوطنية والإخلاص فالى مضابط الحوار مع دكتور نافع على نافع الأمين العام لمجلس الأحزاب الإفريقية :

س1/ كيف تنظرون إلى احتفال البلاد بالذكرى (59) للاستقلال وفقا للآتي: منذ الاستقلال والبلاد تبحث عن دستور دائم نحتكم إليه جميعاً .. أين تكمن المشكلة في إقرار هذا الدستور؟
ج1 / تكمن المشكلة فى أن الحكومات التى تعاقبت على الحكم منذ الاستقلال لم تسع جادة فى إقرار دستور دائم للبلاد كما أن رؤاها تجاه صناعة الدستور كانت متباينة وصراعها على السلطة كان هو الطاغي على اهتمامها بالدستور وغيره وعندما تسلمت الإنقاذ مقاليد الحكم فى البلاد ورثت تركة مثقلة فى الجانب الدستورى فكان همها الأكبر إقرار دستور تقوم قواعده وأركانه الأساسية على شرع الله فكونت اللجنة القومية للدستور ممثلة فيها كل القوى وألوان الطيف السياسي من أجل التوافق على دستور قومى دائم تحكم به البلاد فكان دستور 1998 الذى أدخلت عليه التعديلات بواسطة لجنه قوميه واسعة القاعدة كذلك ليستوعب إتفاقية السلام الشامل وأصبح بذلك دستور 2005 الإنتقالى ليحكم الفتره الإنتقاليه إلى حين إجراء الإستفتاء على مصير جنوب السودان . من ثمَّ نشأت الحاجه إلى وضع دستور دائم مرة أخرى يرجى أن يجمع عليه من خلال الحوار الوطنى الشامل . أعتقد أن ذلك ميسور لأن الدستور المؤقت الحالى بعد أن حذفت منه المواد المتعلقه بالجنوب يمثل أساساً متيناً لوضع الدستور الدائم بإذن الله.
س2/ إلى أي شيء تعزون غياب الاحتفال الشعبي بهذه الذكرى واقتصارها على الاحتفال الرسمي خاصة أن الاحتفال برأس السنة طاغي على اليوم الوطني؟
ج2/ جاءت احتفالات البلاد بالذكرى 59 للاستقلال متزامنة مع مولد النبي صلى الله عليه وسلم وأعياد الميلاد بالنسبة للإخوة المسيحيين وهما مناسبتان يحتفي بها المواطنون. الاحتفالات الشعبية بأستقلال السودان موجودة على مستوى كافة الولايات والمحليات ولم تقتصر الإحتفالات على الإحتفال الرسمى فقط . يحتفل الناس بمولد المصطفى (ص) إحتفالات منظمه يشاركهم فيها التنفيذيون ويحتفل الناس برأس السنه الجديده كل على طريقته الخاصة.
س3/ برغم مرور 59 عاماً على الاستقلال إلا أن هناك قيم استشرت كالقبلية والجهوية والعنف ؟
ج3/ استشراء القبلية والجهوية والعنف ليس من قيمنا ولا تراثنا . نبذ العصبيات الحزبية والقبليه والجهويه كان من ثماره إستقلال السودان كما هو معلوم .الثورات الشعبيه التى أشعلت مقاومة المستعمر وحققت الإستقلال بطرده أسهم فيها أبناء السودان بجهادهم وبشعرهم (مابدور عصبية القبيله ) (أنا سوداني) (كل أجزائه لنا وطن) (عازه فى هواك) وغيرها كثير. ينعقد الأمل اليوم على تجدد هذه الإرادة الوطنية من خلال الحوار الوطني الجامع .
س4/ ماهى فرص إعلاء قيم الانتماء للوطن والتسامح والوفاق والسلام ؟
ج4/ الإنقاذ منذ تسلمها مقاليد الحكم فى البلاد دعت وسعت إلى تعزيز قيم الانتماء للوطن وبسط قيم التسامح بين قطاعات الشعب السودانى وشرائح المجتمع كافة لذا دعت إلى الوفاق الوطنى وعززته على أرض الواقع وعملت على تحقيقه من خلال مؤتمرات الحوار الوطني حول كافة القضايا: السلام ، الاقتصاد ، القضايا المجتمعية ، العلاقات الخارجية. كانت هذه المؤتمرات هى التى تأسست على توصياتها المحادثات للوصول إلى السلام والحكم الفدرالى ، وإنتهاج الإقتصاد الحر ومشروعات الرعايه الإجتماعيه المختلفه مثل ديوان الزكاة ، تفعيل الصناديق الإجتماعيه ، والرعايه الصحيه وغيرها .الحوار الوطنى الشامل الذى دعت له الحكومه وترعاه الأن تشارك فيه القوى السياسيه والمجتمع المدنى و يسعى إلى أن يفضى إلى إتفاق كامل حول القضايا الكليه للوطن . يمضى هذا الحوار بخطوات ثابتة ويتطلع الوطن إلى أن ينحاز إليه بعض المعارضين الذين مازالوا خارجه .

س5/ تمر علينا هذه الذكرى والبلاد تستشرف قيام الانتخابات كحق دستوري.. كيف يمكن ربطها بالاستقلال والتنافس عليها كقوى سياسية بدلاً من الممانعة أم ماذا؟
ج5/ الإنتخابات التى ستجرى بإذن الله فى الثانى من أبريل 2015م إستحقاق دستورى وهى الوسيلة الوحيدة للتداول السلمى للسلطة عبر صناديق الإقتراع .الإتفاق على هذا المبدأ بأن يكون القرار حول من يحكم ببرنامجه وفلسفته السياسية لأهل السودان من خلال التنافس الديمقراطي فى الانتخابات ، هو الذى يمنع تسلط الجماعات والأحزاب بغرض فرض رؤيتها ورأيها بغير السبل الديمقراطية وهو السلوك الإستعمارى الذى رفضه وحسمه الجدود والأباء بطرد المستعمر ونيل الاستقلال.

س6/ الاستقرار السياسي ضرورة ملحة لأي دولة وبرغم استقلال البلاد منذ فترة طويلة إلا أن البلاد مازالت تبحث عن حل لأزمة الحكم ..هل تعتقدون أن الحوار الوطني يعتبر المخرج لذلك ؟
ج6/ لعبت حركات التمرد فى الجنوب ومن خلالها ومن بعدها حركات التمرد فى النيل الأزرق وجنوب كردفان ودارفور دوراً رئيسياً فى عدم تحقيق الإستقرار السياسى وأدت إلى إحداث العديد من الأزمات فى الحكم. القناعه التى ترسخت عند المتمردين وداعميهم أنه لن تستطيع أى حركة تمرد فرض حلها الذى تتمناه من خلال الحرب بسبب إستعداد القوات النظاميه المسلحه مسنودة بإرادة الشعب والدولة .هذه القناعة جعلت فرصة الوصول إلى إتفاق حول هذه الأزمات ممكناً من خلال المحادثات كما تم فى نيفاشا وأبوجا والدوحة وأرتريا . الحوار الوطنى الشامل الذى يجرى الأن هو لتعميق الإتفاق حول ما تم التوصل إليه فى محادثات السلام وجعله إتفاقاً قوميا شاملاً حول قضايا السلطه والثروة ، الحريات والعلاقات الإقليميه والدوليه وغيرها ليصبح مايتفق عليه دستور الإجماع الوطنى مما يجعل الخارج عليه من بعد أمراً عسيراً.
س7/ بذلت الحكومات المتعاقبة منذ الاستقلال جهوداً مقدرة لأجل إحلال السلام بالبلاد إلا أن الاقتتال والاحتراب ظل ملازماً … إلى ماذا تعزون ذلك ؟
ج7/ كل الحكومات الوطنية المتعاقبة على حكم البلاد كانت لها جهوداً مقدرة لإحلال السلام بالبلاد لكنها لم تكلل بالنجاح الكامل المنشود لأن إمكانات الحكومات الذاتيه وضعف قدراتها على إستنهاض مقدرات الشعب جعلت من هم وراء حركات التمرد ووراء إشعال الفتن التى تمزق وحدة الشعب يأملون فى تحقيق أهدافهم من خلال فرضها بالقوه . تغير الحال وإستطاعت الدوله أن تستغنى عن الإعتماد شبه الكلى على العون الخارجي المسموم ونهض الشعب ليساعد قواته المسلحة بسبل شتى وأصبح الخيار الوحيد المتاح لحل الخلاف حول القضايا هو الحوار الذى رحبت به الحكومه دوماً.
س8/ واجهت البلاد منذ الاستقلال تحديات ومؤامرات مستمرة أثرت على إستقرارها وسلامها .. برأيكم يمكن مواجهة هذه التحديات وآليات ذلك ؟
ج8/ لا أقول نعم من الممكن مواجهتها بل تمت المواجهة وإنتصر الشعب السودانى بفضل الله . عندما أصبح جلياً لأعداء السودان أن ثورة الإنقاذ تغيير جذرى كثفوا جهودهم لوأدها قبل أن يستوى عودها كما لم يفعلوا من قبل لا فى السودان ولا فى غيره على الإطلاق . إنتصرت الإرادة الحرة والمتحرره بطاقة لا تذبل بل تتجدد .الإستهداف الأن مستمر والأدوات تتنوع ولكن الحال أفضل بكثير والمقدرة على المنازلة أكبر بفضل الله إذ أن مقدرتنا الذاتيه المعنويه والماديه أكبر بكثير من ذى قبل و العلاقات الدوليه تشهد تحولات جذريه تكسر إحتكار كافة أوجه القوة الإقتصاديه ، والسياسيه وغيرها و من ثم تعيد تنظيم العلاقات الدوليه .هذا التحول الكبير من مصلحة الشعوب التى تسعى لتحرير إرادتها فى كافة المجالات.

س9/ برغم الجهد الكبير الذي بذلته الدولة لإحقاق السلام ومازالت تعكف على ذلك إلا أن مجموعات خرجت على ذلك وحملت السلاح ورفضت مبدأ سيادة التعايش والتسامح .. كيف تقيمون ذلك ؟
ج9/ بعض هذه الحركات هى بقايا مخطط التآمر القديم إستغلت بعض مظاهر ضعف الدوله مثل القبليه والجهويه وقلة التعليم والتنميه أدواتاً للتحريض والإستقطاب . الأن إتساع دائرة الوعى وقوة التواصل بين أطراف السودان المختلفه و الدمار الذى يخلفه التمرد مقابل الخدمات والتنميه فى المناطق المستقرة وإنقطاع الرجاء فى تغيير عسكرى يجعل المناخ مواتياً للاتفاق وتحقيق السلام والإستقرار وهو ما تسعى له ألدوله عبر سبل عدة.

س10/ عندما أعلن الاستقلال كانت الأحزاب السياسية تعد على أصابع يد واحدة والشاهد أن عدد الأحزاب الآن يفوق 90 حزباً سياسياً ..هل يعد ذلك دليل صحة أم غير ذلك وكيف ؟
ج10/ التعددية السياسية هى سمة من سمات الديمقراطية . المهم الآن أن تتواضع كل هذه الأحزاب على أن تكون مؤسسات ديمقراطيه وأن تعمل فى المناخ الديمقراطى وتمارس نشاطها السياسي بحرية مسئوله. أعتقد أن عدد الأحزاب سوف يتقلص بالتدريج وربما سريعاً إلى عدد قليل عندما تضعف القبلية والجهويه وعندما يتحرر الولاء السياسي الحزبى من العاطفة والارتباط التاريخي وعندما يكتمل بوار بعض الشعارات البراقة الجوفاء فتتحول الأحزاب الى أحزاب فكر ومؤسسية.

س11/ وهل تعزى حالة الانقسام والتشرذم في البلاد إلى كثرة الأحزاب السياسية ؟
ج11/ حالة الإنقسام والتشرذم ليس من كثرة الأحزاب السياسية ولكن من حدة الصراع السياسى بينها لأنها لا تقوم على فكر سياسي راسخ ومبادئ أساسيه منبثقة منه .

س12/ شهدت علاقات السودان مع دول الجوار والنطاقين الإقليمي والدولي اختراقا واضحاً ..ولكن تظل الولايات المتحدة في موقف مغاير تماماً ..كيف تفسرون ذلك ؟
ج12/ حاولت القوى الإستعمارية إحداث الكثير من الفتن السياسية بين السودان وعدد من دول الجوار الإفريقي و العربى ولكنها فشلت فى أخر المطاف. السودان اليوم يتمتع بعلاقات جيدة جداً مع دول الجوار ويتعاون معها إقليمياً ودولياً من أجل مصلحة الشعوب. الدول الأفريقيه اليوم جلها يعلم أن الخلافات بينها من زراعة الاستعمار القديم ولمصلحته . أما الولايات المتحدة فظلت تناصب السودان العداء منذ مجئ الإنقاذ ،لأن سودان الإنقاذ يرفض الهيمنة الإمبريالية وسياسة الاستعلاء والاستغلال ويتطلع لعلاقات خارجية متوازنة تقوم على إحترام خيارات الشعب السودانى و سيادته الوطنية وتحقيق المصالح المشتركه.كما أن السياسيه الخارجيه الأمريكيه تحت التأثير القوى لجماعات الضغط التى لها أجندتها الخاصه وإن تعارضت مع المصالح الوطنيه لأمريكا أحيانا.
س13/ هل بالإمكان العودة لحالة الوفاق بين القوى الوطنية التي قادت للاستقلال ؟
ج13/ أعتقد أن ذلك ممكناً إذا أصبحت هذه القوى مؤسسات حقيقيه وسادت فيها الديمقراطيه والمؤسسية لأن هذه القوى الوطنيه تقوم على قاعدة إسلاميه وليس بينها إختلاف جوهرى .
س14/ ماهى الثوابت التي يمكن الاتفاق عليها للمحافظة على وحدة الوطن وسلامة أراضيه؟
ج14/ هى نبذ الحرب والفرقة وتعزيز التضامن الوطنى والإحاطة بقضايا الوطن والإلتفاف حولها وتعزيز الوحدة الوطنية والنسيج الإجتماعى والتعاون من أجل خير ورفاه شعب السودان. هذه الثوابت لاتتأتى الا من خلال تحكيم شرع الله عز وجل وممارسة السياسية من خلال شورى وديمقراطيه والدعوة إلى البرامج الحزبية بالحسنى والتسليم التام باحترام خيار الشعب فى الانتخابات دون التعويل على دعم أجنبي أو استنصار بالخارج.
س15/ كيف تنظرون لمستقبل السودان بعد 59 عاماً من الاستقلال ؟
ج15/ السودان وبعد 59 عاماً من الإستقلال يستشرف مستقبلاً سياسياً وإقتصادياً باهراً وكل المؤشرات التى نراها أمامنا الآن تؤكد ذلك وتؤكد بأننا ماضون نحو غد مشرق بإذن الله يتعزز فيه الأمن ويتحقق فيه الإستقرار وتتجسد فيه معانى وقيم الوحدة الوطنية .

اعداد /سعيدة همت محمد

الخرطوم فى 3/1/2015م (سونا)

Exit mobile version