“الممنوع من الصرف” ثلاثمائة من متقاعدي البنوك الحكومية أدركهم الموت قبل أن يدركوا حقوقهم.. أيام المصرفيين وقصص أخرى

[JUSTIFY]ربما كان ثلاثمائة فرد من متقاعدي البنوك الحكومية قد وافتهم المنية وهم يلاحقون حقوقهم، فضلا عن سبعمائة آخرين لم يصرفوا ولو مليما واحدا، من جملة ثلاثة آلاف متقاعد طالهم قرار الصالح العام أو الخصخصة؛ ذلك باختصار هو حجم الضرر والأذى الذي تعرضت له تلك الشريحة وهي تلاحق حقوقها منذ أكثر من أربعة عشر عاما مرت على قضية حقوق متقاعدي البنوك الحكومية، وقد ظل فيها المعاشيون يتعاملون وفقا للقانون وملتزمين بمسار القضية القانوني إلى أن انتهى التقاضي في أرفع المحاكم حينما قضت المحكمة الدستورية في العام الماضي بمنحهم حقوقهم كاملة وغير منقوصة، وأيدت قرارات كافة المحاكم الدنيا التي سبق لها وأن أبطلت قرار مجلس الوزراء الخاص بحرمان متقاعدي البنوك الحكومية من حقوق فوائد ما بعد الخدمة المتفق عليها وهو القرار الذي لم يزل نافذا حتى الآن، بالرغم عن صدور حكم البطلان من المحكمة الدستورية وهو الحكم الذي مثل طوق النجاة لمعاشيي البنوك وتمسكوا به باعتباره حكما منصفا يمكنهم من استرداد حقوقهم، على حد ما يعتقده غالبية المعاشيين.

ولكن ما حدث كان على عكس ما يتمناه معاشيو البنوك الحكومية وصادما لهم، بحسب الأنباء المتواترة بخصوصهم، ولم يظهر قرار المحكمة، بعدها ارتفعت وتيرة الاحتجاج وسط المتقاعدين فشهد العام الحالي حراكا مطلبيا واسع النطاق مصحوب بتنظيم وقفات احتجاجية واعتصام لعدم تنفيذ قرار المحكمة الدستورية، طرقوا فيه أبواب مجلس الوزراء والبرلمان ومن ثم خاطبوا رئيس الجمهورية للتدخل وحل القضية التي تطاول أمدها، وأسفرت الاعتصامات عن تكوين لجنة رئاسية لتنفيذ أمر المحكمة وتسليم المتقاعدين حقوقهم الشئ الذي لم يتحقق بحسب ما ذكره اتحاد معاشيي البنوك في مؤتمر صحفي عقده مؤخراً، ما استدعى المتقاعدين لتجديد المطالب وتأكيد عزمهم على مخاطبة الرئيس مجددا لتنفيذ الحكم.

وكان الفاتح عز الدين رئيس البرلمان قد أكد أن اللجنة التي كونتها رئاسة الجمهورية لمتابعة قضية متقاعدي البنوك أكدت تنفيذ أجهزة الدولة ومؤسساتها لكل الأحكام القضائية الصادرة بشأن المعاشيين، غير أن اتحاد معاشيي البنوك يؤكد عدم تنفيذ حكم محكمة الطعون الإدارية الذي يفترض بموجبه أن تمنح الحقوق كاملة وشاملة للاتفاقيات الموقع عليها بنك السودان في سنوات سابقة، فضلا عن القرار الوزاري الخاص بتحسينات شروط الخدمة، وأن لا يتم تجاوزها بتاتا.

هذا هو ملخص قضية متقاعدي البنوك الحكومية وما حدث فيها من تغييب لحكم المحكمة الدستورية الخاص بصرف مستحقات المعاشيين شاملة لفوائد ما بعد الخدمة، ولكن المتابع لشأن فئات المعاشيين باختلاف مؤسساتهم يلاحظ شكواهم من العنت والظلم الذي بات قاسما مشتركا للشريحة التي قدمت عصارة جهدها وأفنت عمرها في الخدمة العامة، وربما تتساوى في الظلم مع المفصولين ومن شملهم الصالح العام؛ فلأكثر من عقدين من الزمان واللجنة التنفيذية للمفصولين ظلت تبحث عن الحقوق وتقول إنها لم تجن سوى الوعود التي لا تسمن ولا تغني من جوع، ولا تأمنهم من خوف، ويصفون حالهم بأنه أصبح يغني عن السؤال. ورغم ذلك ظلوا يمارسون الصبر الجميل ويتمسكون بخيط الأمل انتظارا لقرار يحيل معاناتهم إلى زوال وتذوب معه جبال الغبن من النفوس، إلا أن مجريات الأمور على الأرض دوما ما كانت تسير خلاف تطلعاتهم، ولم يروا إلا مزيدا من التهميش واللامبالاة لقضيتهم.. تطاولت السنوات على القضية ووصل عدد المفصولين من الخدمة المدنية إلى أربعمائة ألف.

عود على بدء، فإن بنك السودان يعد مطالبات المعاشيين مجرد امتيازات ينبغي ألا تصرف لمن تقاعد عن الخدمة، في وقت يجزم فيه المتقاعدون أنها ليست امتيازات، إنما حقوق واجبة التنفيذ بحسب القانون الذي أقر صرف فوائد ما بعد الخدمة للمتقاعدين طيلة حياة المتقاعد ولكنها لا تورث.. الاتحاد، وفي مؤتمر الصحفي، أقر بالجلوس مع الحكومة التي طلبت ذلك بغرض الوصول إلى تسوية، ولكن سرعان ما انفضَّ سامر الجلسة بعد أن عرض مندوب البنك المركزي دفع حقوق خمسين شهرا فقط من جملة تسعين شهرا هي الحقوق المطلوبة للمتقاعدين، وصل بعدها الطرفان إلى حل وسط، يقضي بدفع سبعين شهرا، ولكن بحسب قادة الاتحاد فإن الاجتماع الثاني للجنة التسوية ظهر فيه مندوب البنك برأي مغاير، وقال إن الجهات المختصة قررت دفع مستحقات عشرة أشهر فقط بعد التشاور معها، الأمر الذي رفضه الاتحاد وعاد على أثره إلى وزير العدل الذي وجه محافظ البنك بالانصياع لقرار المحكمة، ودخلت بعدها القضية نفقا ضيقا بتوالي الخطابات من غير جدوى، واضطر بعض المتقاعدين للدخول في تسوية بعد أن تقطعت بهم السبل وعجزوا عن مجاراة الظروف وأحاط بهم المرض وكلفة دراسة أبنائهم.

مهند عبادي
صحيفة اليوم التالي
ت.أ

[/JUSTIFY]
Exit mobile version