:: وهناك، على سبيل مثال آخر، رحلة البحث عن معلومة ذات صلة باليتامى والمعاقين أو بالمدارس والمشافي ليست بالضرورة أن تقودك إلى (وزارة)، بل قد تقود إلى (بيت مواطن)، باعتباره رئيس لجنة كفالة اليتامى أو تأهيل المعاقين أو التعليم أو الصحة، وقد يكون الوزير المختص رئيسا لهذه اللجنة أو عضواً يرأسه هذا (المواطن).. هكذا تدار شؤون الناس بالبحر الأحمر، فالمجتمع لم يعد محكوماً فحسب، بل شريكاً أصيلاً في (التمويل والتنفيذ والرقابة).. وقبل أسابيع، عندما تبرع بنك النيل بمبلغ كبير من المال لتأهيل بعض المدارس، خاطبته السلطات بنص فحواه: (هذه مدارسنا التي بحاجة إلى تأهيل، وعليكم اختيار إحداها أو بعضها ثم تنفيذ عمليات التأهيل بأنفسكم)، أي لسنا بحاجة إلى مالكم، بقدر ما بحاجة إلى (جهدكم ورقابتكم).
:: ولهذا يتسابق أفراد المجتمع إلى العمل في اللجان، وإلى الإنفاق عبر اللجان، أي لأنهم يرون جهدهم وأموالهم إنجازاً يملأ عيونهم وقلوبهم، ولأنهم يثقون في أنفسهم يطرقون أبواب المصارف والشركات بالدراسات والمشاريع، ويجدون عندها (التبرع والقرض).. بالقرض والدعم، أنار آلاف الفقراء والمساكين بيوتهم بالكهرباء.. وبالقرض والدعم، اندثرت تكاسي العهد التركي لتحل محلها التكاسي التي تليق بجمال مدائن الولاية.. وهكذا، كثيرة هي المشاريع التي يظلمها ضوضاء مهرجان السياحة والتسوق..ومع ذلك، لم -ولن- تبلغ الكمال، ولكنها حكومة كشفت -للحكومات الولائية الأخرى- معنى أن يكون المواطن إيجابياً -ومخلصا لولايته- بغض النظر عن اختلاف الأفكار والأحزاب.. وإنهم يخشون انهيار هذه الروح في مجتمع البحر الأحمر بعد ذهاب طاهر إيلا إلى أي موقع آخر أو إلى الشارع العام (عاجلاً أو آجلا).. وعلى كلٍّ، هي حكومة وضعت (بصمتها)، وأحرجت الحكومات الأخريات.. وقبل ذهابها، ها هي تُتعب التي تأتي بعدها بإحساس (التوجس العام).
اصحيفة السوداني
خ.ي