خيار الحرب بين الدولتين مستبعد، ولكنه وارد ولو على نطاقٍ ضيق وفي مناطق حدودية معينة، غير أن استخدام كلمة (الحرب) تفتح الباب واسعاً، أمام أي مشهد أو احتمال.!
دولة الجنوب لاذت بالصمت بعد أن أعلن مدير جهاز الأمن والمخابرات عن إمكانية ملاحقة المتمردين المعتدين على السودان إلى داخل أراضي دولة الجنوب، غير أن الجيش الشعبي، قرر أمس الأول الرد على التصريح باعتباره إعلان حرب، فهل يا ترى يمكن أن تُعاد الحرب مجددًا بين الدولتين؟ خاصة أنها حدثت مرة واحدة بعد الانفصال “معركة هجليج” 2012م .
رغم أن الاتفاق السياسي بين الحكومة والحركة الشعبية شمال من شأنه أن يُنهي أو يقلل الاشتباكات العسكرية، بينهما وبين أي حرب محتمله مع دولة الجنوب، غير أن المسار العسكري الميداني لم ينتظر المسار السياسي.
فبعد تعليق المفاوضات بين الطرفين في أديس أبابا قبل حوالي عشرة أيام، كثرت الاتهامات بين الدولتين، إلى أن دعا مدير جهاز الأمن حكومة الجنوب بتجريد حركة العدل والمساواة من أسلحتها مثلما فعلت حكومته مع قوات التمرد التي سبق أن دخلت منطقة هجليج على الحدود مع جنوب السودان في وقت سابق، مهدداً في ذات الوقت بإمكانية ملاحقة المتمردين داخل أراضيها..
تزامن مع التهديد، والتصريحات المتزايدة بشأن الحرب، وجود تعزيزات عسكرية في المناطق المحددة ، وبأجهزة تقنية حديثه، غير أن مصادر قالت لـ(السوداني) إن هذه التعزيزات تتعلق بعمليات الصيف الحاسم، التي قررت القوات المسلحة خوضها لإنهاء التمرد، وأنها ليست معنية باستعدادت الحرب مع دولة جنوب السودان، والتي استبعدت ذات المصادر إمكانية دخول الدولتين في تجربة الحرب مجدداً.
ويبدو أن هذه العمليات يصعب إثباتها، حتى مزاعم القصف الجوي والقول بتوغله إلى حدود الدولة الأخرى لبضعة كيلومترات لا توجد له أدلة، عدا أن تم تصويره بالأقمار الاصطناعية.
وتشير المصادر إلى أن الأمر يختلف حينما تكون المعركة مشهودة كالتي وقعت في هجليج وتأكد منها المجتمع الدولي وأدانها مجلس الأمن. أشهر التوترات: التوترات الحقيقية التي انعكست على الميدان تختلف عن التوترات السياسية أو عن الاتهامات المتبادلة.. فمنذ انفصال الجنوب لم يهدأ اتهام كل دولة للأخرى بدعم المتمردين، رغم الاتفاقات الموقعة والمباحثات التي كانت تٌعقد بينهما، غير أن الأسابيع الأخيرة، التي أعقبت زيارة الرئيس سلفاكير ميارديت إلى الخرطوم والملف الأمني الذي كان له حيز من النقاش خلال الاجتماع الرئاسي، أعقبه اتهامات سريعة ومباشرة بين القوات المسلحة السودانية والجيش الشعبي، إثر اتهام الأخير أن طائرات (أنتينوف) تابعة لسلاح الجو السودانى قامت بعمليات قصف عشوائي على منطقة خور تنباك فى مقاطعة المابان بولاية أعالي النيل داخل أراضي بلاده” لتبدأ بعد ذلك سلسلة من الاتهامات لم تنتهِ فقط بتحذير شديد اللهجة من مدير جهاز الأمن والمخابرات بإمكانية ملاحقة المتمردين داخل أراضي دولة الجنوب واعتبر ذلك من قبل دولة الجنوب بأنه إعلان حرب.
أشهر التوترات المشهودة كانت حرب هجليج بين الدولتين التي أوقعت خسائر بشرية ومادية وإقتصادية انتصرت فيها القوات المسلحة السودانية في نهاية الأمر.
عدا هجليج، كانت التوترات تنحصر في اشتباكات حدودية في مناطق مختلفة بين فينة وأخرى، لكنها لم تسبب توترًا معلنًا أو واضحًا بين الدولتين، وانحصرت في أوقات كثيرة على بيانات القوات المسلحة والجيش الشعبي دون أن تصل إلى وزارتي الخارجية أو رئاسة الجمهورية. المناطق الست إن أرادت دولة الجنوب تنفيذ وعدها وإعلان حالة الحرب، فإن أقصى الخطوات التي يمكن أن تفعلها بحسب خبراء عسكريين تتمثل في الدفع بقوات من الجيش الشعبي إلى أي من المناطق الست المختلف حولها مع السودان.
فالمناطق التي تشهد اشتباكات ولو قليلة بين الدولتين تقع في خط التماس أي على الشريط الحدودي بين الدولتين، أقصى جنوب النيل الأبيض، بالإضافة إلى المناطق الحدودية الست وهي كاكا، حفرة النحاس، المقنيص، الميل 14، كافيه كنجي وأبيي.
ويبدو أن الدفع بقوات في تلك المناطق قد يُفهم بمثابة احتلال للمناطق المختلف عليها أو إظهار ملكية دولة الجنوب لها.
والمعلوم أن ترسيم الحدود بعد أن بدأ عُطل لعدم التوصل لاتفاق بين الدولتين في تلك المناطق ويقدر إجمالي المساحة المتنازع عليها بين الدولتين حوالي 600 ألف كيلومتر مربع. استبعاد الحرب رغم أن عدداً من المراقبين استبعدوا أن تدخل دولتا السودان وجنوب السودان في حرب جديدة نسبة لوجود أولويات مختلفة لكلا الدولتين، إلا أن آخرين رأوا أن تصاعد الأحداث واستمراريتها ربما يتطور إلى اشتباكات حدودية عنيفة، خاصة في ظل تواتر الحديث عن أسلحة جديدة وتسهيلات لوجستية قُدمت إلى الجيش الشعبي لمحاربة القيادي المنشق د.رياك مشار وهو ما قد يرجح استخدامها في أي حرب قد تدور على الحدود مع دولة الشمال..
غير أن نائب رئيس هيئة الأركان السابق الفريق ركن عثمان بلية، يستبعد دخول السودان في حرب مرة أخرى مع جنوب السودان، ويقرأ في حديثه لـ(السوداني) تصريحات مدير جهاز الأمن والمخابرات الفريق محمد عطا، أنها بمثابة إنذار شديد اللهجة لدولة الجنوب للكف عن دعم وإيواء المتمردين واحترام سيادة الدول الأخرى..
واعتبر أن تهديدات دولة الجنوب عبر الناطق باسم الجيش الشعبي ما هي “إلا تحصيل حاصل” وأن الجنوب لا يمكن على الإطلاق أن يتعامل بجدية مع هذا الحديث لاعتبارت كثيرة، أهمها عدم قدرته على مثل هذا النوع من المواجهة، وقال أيضاً إن السودان لن يتعدى على دولة الجنوب رغم ما له من حق بالدفاع عن نفسه، مشيرًا إلى أن التعدي البري أو الجوي يٌدخل السودان في طائلة القانون عكس الاشتباكات التي تتم في الحدود بينهما.
د.عثمان ابو النجا المتخصص في قضايا النزاعات أبدى تشككه في قيام حرب بين الشمال والجنوب لأن الدولتين منشغلتان بحروب داخلية ،ولم يستبعد أبو النجا: تأثر حقول النفط إن قامت الحرب لاسيما تلك التي مازالت محل نزاع بين البلدين.
لاستجلاء الموضوع أكثر،(السوداني) طرحت أربعة أسئلة ذات صلة على كل من الفريق الركن عبد الباقي كرار واللواء (م) محمد العباس واللواء (م) فضل الله برمة ناصر وبروفسير ديفيد ديشان القيادي المعارض في جنوب السودان :
*الفريق عبد الباقي كرار : يمكن أن تبدأ الحرب والجنوب قراره أمريكي إسرائيلي
اللواء العباس : حكومة الخرطوم قد تؤجج الحرب
* اللواء برمة:ليس فى مقدور الطرفين قيادة حرب شاملة ويمكن ان تكون محدودة
*بروفسير ديفيد ديشان : حقول البترول ستكون تحت حماية قوات مشار
هل يمكن ان تبدأ حرب فعلياً بين السودان وجنوب السودان؟
الفريق عبد الباقي : نعم ،يمكن ان تبدأ الحرب، خاصة وأن دولة الجنوب قرارها العسكري ليس في يدها وإنما مستمد من الاستراتيجية الأمريكية والإسرائيلية التى تسعى لضرب حكومة الشمال.
اللواء العباس:لايمكن ان تبدأ حرب فعلية بين الشمال والجنوب لأن السودان أكثر حرصاً على عدم الدخول في حرب لأن الظرف الإقليمي مانع أساسي للدخول في حرب لايعرف منتهاها.
اللواء برمة:لن تبدأ حرب بالمعنى المعروف ولكن ستستمر بعض الأعمال العدائية بين الطرفين تساهم في عدم الاستقرار الأمني لكل منهما.
بروفيسور ديشان:لايمكن أن تقوم حرب لأن قوات الجنوب مشغولة بالحرب ضد مشار.
اللواء: العباس:طبيعة الحرب إن قامت ستكون شاملة لأن القصد ليس اختراق الحدود والاستيلاء على أرض معينة وإنما هدف حكومة الجنوب تدمير السلطة كاملة وتحويل السودان لدولة علمانية.
اللواء برمة:ليس فى مقدور الطرفين قيادة حرب شاملة ولكن يمكن للطرفين توجيه قتال على الحدود.
بروفيسور ديشان:الحرب ستنحصرفقط في مناطق التوترات فقط. ماهي إمكانية مشاركة متمردي الشمال مع جيش الجنوب؟ الفريق عبد الباقي :الحركات المتمردة هى حلقة الوصل والسيناريو المخطط ضد حكومة الشمال.
اللواء العباس:إمكانية دخول متمردي الشمال وارد وفي المقابل وعلى العكس لايمكن أن تستعين حكومة الشمال بقوات مشار لأن القوى الإقليمية لن تسمح بذلك حتى لاترجح كفة الشمال في حربها.
اللواء برمة :لكل طرفين أهدافه ولتحقيق هذه الأهداف لابد من الاستعانة بمصادر قوة إضافية.
بروفيسور ديشان:متمردو الشمال هم فعلياً مشاركين الآن مع حكومة الجنوب وتدعمهم أوغندا.
هل حقول النفط ستكون مستهدفة؟ الفريق عبد الباقي:حقول النفط ستكون ميدان المعركة المتوقع خاصة الحقول المتاخمة لعرض خط 10 في حدود 56اللواء العباس: الاستفادة من هذه الحقول بالنسبة للأطراف المتحاربة قد تجعلها بعيدة عن الهجوم.
اللواء برمة:حقول النفط لايمكن أن تستهدف لأنها خط أحمر والعالم لن يسمح ولا الدول المستفيدة لاعتبارات المصلحة.
بروفيسور ديشان:لايمكن أن تتأثر حقول النفط خاصة الموجودة فى الجنوب تحت قبضة قوات مشار والتي لن تسمح بالاعتداء عليها من قبل الجنوب.
لينا يعقوب – عمر رملي
صحيفة السوداني
ت.أ