ليس هذا فحسب ، فاي مواطن سوداني يدين بالولاء لجمهورية السودان عليه واجبات واردة في نفس الدستور تحت مسمي ” واجبات المواطن ” ( الفقرات أ ،ب،ج ،د ) تلزمه بالتفاعل الإيجابي ، ولكن !! يبقي السؤال الأهم : هل الحكومة نفسها ، المنفذة للقانون والمطبقة للدستور تتفاعل إيجابيا وتلتزم حقا بما يتعين عليها الالتزام به فعلا لا قولا ؟! .
من المفارقات أن كلمة ” مجاني” الواردة في الدستور الانتقالي الخاصة بالتعليم الإلزامي والعلاج المجاني والأدوية المجانية لم تنل حظها من التطبيق أصلا (كالتعليم المجاني ) أو أنها طبقت لفترة وجيزة ثم تحولت إلي مصادر ربحية ( أدوية الطوارئ و أدوية الدعم العالمي).
ربما من الأسباب الموجبة إلي ضرورة إحكام الرقابة علي المال العام ذلك الخلط الغير مفهوم والغير مبرر بين مال الدولة ومال الحزب ، فالقائمين علي الأمور المالية في بلادي وعلي راسهم المراجع العام يعلمون علم اليقين مدي العبث الواضح في مالية الحكومة من خلال الميزانيات السنوية للولايات ، بل حتي في الموزانة العامة للدولة نفسها التي لا يظهر فيها الأرقام الحقيقية لموار د إيرادية هامة كالبترول والذهب وغيره وغيره ، بل يمكن أن نجزم أن ميزانيات معظم الولايات تكاد تكون صورية أكثر منها واقعية ، وليس السبب هو الإفتقار إلي المهنية في إدارة موارد الدولة وإعداد الموازنات المالية وإنما هو العبث والخبث والتغفيل السياسي الذي يفرض علي العمل المهني إتباع اساليب ملتوية للحصول علي مكاسب شخصية ، وعندما ينصاع العمل المهني الي رغبات السلطة السياسية يصبح الجميع فاسدون!.
لنأخذ مثالا علي مدي تغول السلطة السياسية علي مالية الحكومة ، فأنت تري في كل ميزانية ولائية مبلغا مقدرا من المال يخصص للوالي والوزير والمعتمد والمدير العام تحت مسمي المنصب نفسه (هذا البند ليس له اي علاقة بالمخصصات الدستورية الخاصة بهؤلاء) وبمجرد تصديق وتشغيل الميزانية يتم صرف البند المعني من قبل مستفيديه في فترة وجيزة جدا حتي النضوب ، ثم يتواصل الصرف لنفس الشخص ولكن بالاحتيال علي بنود صرف أخري يعرفها المحاسبون والمراجع العام ولا أحد يعترض لأن المخالفون هم الدستوريون أنفسهم .
لذلك فإن مطلب حوسبة المال العام ، سيساعد كثيرا من الحد من تلك الظواهر السالبة من تسيب وتلاعب ، فالرقابة فيه صارمة وتقاريره الآلية ليس فيها لبس ومحاولات الطمس والتعديل والتحايل ظاهرة ومكشوفة محاسبيا .
لا يتوقع أحد من الرئيس أو من غيره من الحزب الحاكم أن يعملوا مجانا ، ولكن …. بإمكانهم ، إن صدقوا النية ، واردوا إصلاحا حقيقيا لهذا البلد أن يوقفوا هذا الفساد المستشري في كل مكان ، فالله وحده يعلم إلي أي حال سينتهي بنا الأمر ، إن لم تعالج كل هذه المشاكل المزمنة من جذورها ، خاصة وأن أطراف في الحكومة نفسها لازالت تتلكأ، وتتزاكي وتتحايل لإعاقة أي محاولات جادة لمحاربة الفساد.
ملخص القول ، أنه لابد من طرق كل الأبواب الممكنة ، إذ يمكن لهذا البلد أن لا تقوم له قائمة مرة أخري ما لم يفزع الخييرون وأهل الإصلاح بالسعي إلي إعادة الأمور إلي نصابها ومعالجة مشاكل السلطة والثروة علي أسس عادلة ومنصفة للجميع ، وإنني لعلي يقين من أن أهلنا في بلاد المهجر والإغتراب، لديهم من الحلول والتطبيقات الذكية ما ينفع بلدهم هذا ويعالج مشاكلها المزمنة في كل المجالات حتي وإن كانت ” مجانا” وهذا لن يكون كثيرا علي وطن نعزه ونعتز به .
الدمازين قي : 12/12/2014م.
محمد عبد المجيد أمين (براق)
[/JUSTIFY]