منّك لله يا مفتري

[ALIGN=CENTER]منّك لله يا مفتري !![/ALIGN] (المفتري) هو من يستعمل قوته البدنية أو السلطوية من أجل الاعتداء على الآخرين وسلب حقوقهم، لذلك يلجأ اهلنا المصرين لرفع أمر ظلمه لله، فليس لجبروت المفتري رادع إلا الله سبحانه وتعالى، والدعاء على من يمارسون الافتراء والجبروت أمر شائع فهو المتنفس الوحيد للمفترى عليهم المساكين، حتى وان كان الإفتراء من الحبايب على محبينهم الحنان، فبدلا من سماحة (حبيبتي وان جارت علي عزيزة)، دعا عليها وردي: جورك يا ظلوم لله اشتكيتو.
وكان تفرد تلك الدعوة في أنها صدرت من قوي أضعفه الهوى، ضد ضعيف استقوى بالهوى فاستبد !
في اعتقادي أن المفتري زول مسكين، يستحق أن نشفق عليه لا أن نصب فوق راسه اللعنات، فهو شخص ضعيف يعاني من عقد نفسية، ونقص في الشخصية، وانخفاض في الروح المعنوية، فيحاول أن يغطي على كل تلك (العقد والكلاكيع) بالافتراء على الناس، وهذا هو العذر الذي طيبت به خاطر اثنتين من صديقات اللطائف، صادف ان اتصلن بي على التوالي ليشكون من نفس جوهر المشكلة وإن اختلفت التفاصيل، فتعالوا نستعرض المشكلتين ثم ننظر هل تتفقوا معي على التبرير الذي طيبت خاطرهن به، أم (تشبّوا لي في حلقي) وتغلطوني:
كانت الأولى شابة ناعمة الصوت سمّت نفسها (جوليانا) .. أوحت لي من طريقتها في الحكي وتبريرها لما اصابها، بأنها رغم حساسيتها ورقة مشاعرها إلا أنها سريعة الانفعال والغضب، فقد كالت اللوم للمجتمع السوداني الذي صار ينكر الحقائق الواضحة ويتحيز ضد المستضعفات من النساء!! .. أخبرتني أنها تعمل موظفة في إحدى الوزارت، أما عن انتقادها للمجتمع فقد حكت موقفين أولهما عن خلاف نشب بينها وبين سائق الترحيل الخاص بمنطقتها، يبدو أن جملة من التراكمات الاحتكاكات السالبة حدثت بينهما سابقا، مما جعل هذا السائق (يستقصدها) حسب قولها، إلى أن جاء يوم انفجر الموقف بينهما اثناء رحلة العودة للبيت .. اخبرتني بأنه اساء إليها بالقول وسبّها دون ذنب جنته ! فلم تتردد في الرد عليه بـ (انت قايل نفسك شنو؟ ما حتة سواق ما بسوا حاجة) !!
فما كان منه إلا أن غادر مكانه وحاول ان يتقدم لضربها إلى أن حال بينهما بقية الزملاء الذين وقفوا جميعا في صف السائق – ظلما وانكار للحقيقة – حسب وجهة نظرها، أما مشكلتها الثانية، فحدثت نتيجة احتكاكها بأحد (حرس) مستوصف طبي، عندما حملت ابنها الصغير ليلا للعلاج، فقد اشتبكت باختصار ودون ذكر تفاصيل ما حكته – مع الممرضة التي اساءت إليها ثم استدعت الحرس الذي قام بدوره بطردها خارج المستوصف ومزّق من يدها روشتة الدواء دون أن يسألها عن تفاصيل خلافها مع الممرضة، ثم اتضح لاحقا أنه أخطأ وحسبها سيدة كان لها مشكلة مع المستوصف في نهار نفس اليوم، وكان تعامله معها على هذا الاساس، وعندما تبين له خطأه حاول الاعتذار واستخراج اوراق جديدة لطفلها المريض، فرفضت وطلبت منه أن يتركه لـ (يموت) ثم غادرت المستوصف !!
وكان الاتصال الثاني من صديقة اللطائف (درية)، والتي تعمل في احدى شركات النظافة في الخرطوم .. حكت (درية) عن ظرف نقلها لمكاتب ادراة تابعة للشركة، حيث استقبلها المشرف عليها هناك بموال طويل ومؤلم من الاساءات مصحوبا بالضرب على الطاولة بيده والصراخ في وجهها، لمجرد أن وجدها تجلس بالخطأ لعدم العرفة – في مكتب خاص بالموظفين الاعلى درجة، وعندما غادرت الشركة غاضبة وعازمة على عدم العودة حتى ولو أدى ذلك لموتها من الجوع والفاقة، لحق بها بعض العاملين وطيبوا خاطرها بأن (زول ده أصلو كده)، فقد تعود الاساءة لصغار الموظفات وعاملات التحصيل ومعاملتهن بصورة قاسية ليضبط عملهن، وان الشركة تحتفظ به لابداعه الاصيل في فنون الافتراء على المستضعفات من الموظفات !!
طيبت خاطر (جوليانا) بأن مجتمعنا ما زال بخير إلا انه لا يقبل تطاول المرأة على الرجل حتى لو كان هو البادئ بالاساءة، أما افتراء حرس المستشفيات فيستلزم الصبر، ثم نصحتها أن تحاول تعلم كبت الغضب والتجاوز عن الصغائر حتى تنعم بالسلام، فالمثل بيقول (لو ما بلعتا الريق في الريق ما بتسعى ليك رفيق) و(بلع الريق) هنا هو بلع الغصة الناتجة من الشعور بالغبن.
أما صديقتنا (درية) فطلبنا منها أن ترفع رأسها عاليا، فهي سودانية حرة شريفة تشقى وراء كسب عيشها بعرق الجبين، وهذا مدعاة للفخر، وان لا تسمح لزوي النفوس (المفترية) لحظة، أن يروا في عينها دمعة غبن أو انكسار .. أها رايكم فيني شنو مش فظيعة بالله ؟!!

لطائف – صحيفة حكايات
munasalman2@yahoo.com

Exit mobile version