العمدة الحاج علي صالح : يوم جلدت الفنانين

[JUSTIFY]سمعت في الإذاعة أنني تعينت وزيراً، وجهزت ملابسي وقمت طيران للخرطوم، وتوافد المهنئون لمنزلي يباركون هذا المنصب. ووصلت إلى القصر لأداء القسم ووجدت مجموعة من الإخوة الوزراء جاءوا لأداء القسم ودخلنا لمكتب السيد الرئيس، وحضر رئيس القضاء وحلفنا نقول الحق وكل الحق ولا شيء غير الحق، وتوجهت للوزارة التي اختاروني أن أكون وزيرها، وهاك يا قدلة وأنا ألبس ملابسي الفاخرة الجديدة لنج ومركوب جلد نمر وعصاية جبهجية بها من قدام سن فيل هلا هلا يا العمدة القيافة بقيت وزير.. ودخلت وزارة الثقافة والإعلام التي أنا أهلاً لها وخيمة منصوبة وقابلوني بالهتاف قائلين الله أكبر هي لله لا للثروة ولا للجاه.. وجلست على الكرسي في النص بين وكيل الوزارة ووكيل الإذاعة والتلفزيون ووكيل آخر، وبدأت الخطب وقف سكرتير الحفل قائلاً نرحب بسعادة الوزير البروفيسور والدكتور والفارس وتلفت هل هنا وزير غيري عنده بروفية ودكتورية وأنا لا أحمل هذه البروفية أو الدكتورية وما عندي شهادة جامعية. ولكن أعجبني هذا التفخيم وما كنت أحسب نفسي بهذه الدرجات ووقف وكيل الوزارة يتحدث عني وعن وطنيتي وثقافتي وهات يا شكر والهتيفة يهتفون وقال أحدهم صائحاً: يا أمريكا لمي جدادك. وسألت وكيل الوزارة: هل لأمريكا جداد عندنا قال نعم هو هذا الذي نأكله واسمه الفراخ، واستمر الحفل بي سيادتي واحد شعر وخطب عصماء وفي النهاية وقفت وشكرت الجميع وقلت لهم شدوا حيلكم والذي يتلاعب بقطع خيطو.. وصاح الجميع عاش الوزير قطاع الخيوط وفي الصباح ذهبت لدار الإذاعة ووجدت جميع الفنانين حضروا من العنصر النسائي والرجالي. وطلع أول فنان للمسرح ومعه عفش كتير براميل وطبول وصعد بالعازفين وهم قبيلة كاملة ويبدو أنه أعشى لا يرى وبدأ في الغناء وتعوذت بالله قائلاً: إن أنكر الأصوات لصوت الحمير، وقال لي الوكيل فعلاً يا سيادة الوزير بأن أنكر الأصوات هو صوت الحمير «الله يكرم السامعين ونزل ذلك الفنان يتعثر في خطاه وهو طويل القامة، تكونوا عرفتوه، وأمرته أن يقف وصعد بعده واحد يلوك لبان ويلبس فانيلة وظل يتمايل وبيني وبين نفسي قلت هذا ولد ولا بنت ونزل ليقف مع ذلك الزميل وظلوا الواحد بعد الواحد وكلهم أوقفتهم صفاً لمباشرة جلدهم وصعد للمسرح رجل تبدو عليه الأصالة وغنى «يا قائد الأسطول تخضع لك الفرسان يا ذو العرض والطول» الله أكبر ونزل وأجلسته بالقرب مني. وجاء آخر وغنى قدلة يا مولاي حافي حالق بالطريق الشاقي الترام، وأجلسته بالقرب مني وهكذا أمرت خفير الإذاعة أن يحضر سوط عنج من السوق وأحضره وهات يا جلد لأولئك الفنانين وظل بعضهم يكورك قائلاً يا سيدي الوزير تاني خلاص ما حأغني وأمرت بعد اكتمال الجلد بطردهم من الإذاعة وأن تشطب الأغاني المسجلة لهم. أما أولئك الذين غنوا تمام يا قائد الأسطول أمرت بالتكريم اللازم لهم مع جوائز لهم وجاء دور العوين الفنانات وبداية جاءت واحدة صابغة العيون والحواجب وهات يا غناء مايع لا أصل له وأمرت كناسة الإذاعة بإدخالهم داخل الغرفة وجلدهن ما عدا واحدة غنت يجوا عايدين بالمدرع والمكسيم، فقد أمرت بتكريمها.

واستمر هذا لغاية الساعة الثانية على أن نعود غداً لجلد من يستحق، ولما خرجت وجدت مظاهرة تهتف بسقوط الوزير الرجعي.. وعرفت أنني معني بهذه المظاهرة وطوالي زغت من الشارع الذي هم يهتفون به ولكنني وجدت مظاهرة أخرى يهتفون قائلين عاش الوزير الفنان، ووقفت خطيباً قائلاً لهم: عشتم وعاشت معرفتكم للأمور. وهكذا ذهبت للمنزل وأنا مرهق وطوالي بعد صلاة العشاء آويت للفراش نائماً على أن أتحرك صباحاً للإذاعة لجلد البقية وتكريم من يستحق، ولما صحيت من النوم لقيت نفسي عايش في حلم ولا أنا وزير ولا جلدت الفنانين .. سيداتي سادتي حتى لو تحقق حلمي وأنني وزير كنت سوف أجلد هؤلاء الذين خربوا سمعة الفن، وأكرم أولئك الذين رفعوا الفن. وكما كانت هذه الاستراحة قديمة قابلني المرحوم العازف علي ميرغني بالأراضي السعودية وقال لي والله يا عمدة أنا طالعت استراحتك عن الفنانين، وهذا أعظم نقد هادف أطالعه. والا يا سيدي وزير الثقافة والإعلام عليك أن تقوم بجلد هؤلاء الفنانين من الإذاعة وتكريم من يستحق. وإن لم تفعل فإنني أتوقع أن أكون وزيراً في الكوتة الوزارية القادمة، وسوف أحضر معي سوط عنج لأعمل اللازم نحو أولئك وتلكم العوين. وأشكركم سيداتي لحسن الاستماع أو القراية وشكراً.

صحيفة الإنتباهة
ت.أ

[/JUSTIFY]
Exit mobile version