مثل هذه المشاهدات كثيرا ما نراها ونسمعها رغما عنا، لأن أصحابها قرروا مناقشتها وطرحها على قارعة الطريق وأمام المارة، دون احترام للطرف الآخر ولا للناس الذين هم في غنى عن سماع عبارات الإساءة بشتى أنواعها ابتداءً من (انتِ ما بتفهمي) إلى (سب الدين) والصفع بحسب قول بعض الحالات التي استطلعتها، مبررين هذه التصرفات بدافع الحب.
فهل الحب دافعٌ لتحمل الإهانات وتقبلها مهما بلغت فظاعتها؟ أم أن مقياس حب شباب (اليومين ديل) يختلف عن الأجيال الماضية، وكيف لهؤلاء الفتيات أن يثقن بمن لا يثق فيهن، بمواصلتهن في مشوار الحب رغم الإهانة والضرب، كما لو أنهن (غاويات مرمطة) ومُدعمات للمثل القائل (الكلب بريد خانقو)، فإلى مضارب التحقيق.
الحب زمان
يا حليل زمن الحب هكذا ابتدر عبد الرحمن محمد أحمد، موظف، حديثه وواصل قائلاً: زمان كنا نستحي من محبوباتنا وما إن يرى أحدنا محبوبته صدفةً حتى ترتجف أوصاله بردا، ولو سمع صوتها تكاد دقات قلبه تتوقف، والفتيات أيضاً كُن خجولات في الماضي، فـ تتصبب الواحدة منهن عرقاً بمجرد رؤيتها لحبيبها، ولم يكن الشاب قادراً على البوح بكل ما يختلج صدره من مشاعر صادقة تجاهها، والسبب هو الاحترام المتبادل، ويواصل: أما من يُسيئون لفتيات على قارعة الطريق فهم أشخاص غير محترمين، يُعانون من خلل في شخصياتهم، وهم ذاتهم من يُهينون أخواتهم وأمهاتهم في البيوت، فكيف لمن يسيئ لوالدته أن يحترم فتاة أُخرى، ولكن هذا لا ينفي وجود شباب مهذبين ويُجيدون التعامل مع الجنس اللطيف بمنتهى اللباقة.
وأضاف مأمون فتح الرحمن، (رقيب فني): الحب في هذه الأيام يصل إلى مرحلة الضرب وسب الدين علناً، وفي تقديراتي الشخصية أن الفتيات هن السبب في ذلك، بتقبلهن تراكمات الإهانات والتنازلات العاطفية، فلو اتخذت الفتاة موقفاً حاسماً تجاه أول إهانة تعرضت لها بالتأكيد لن يتمادى الشاب في ذلك.
الحكم بالموت ذلاً
كل تعامُلات البشر مبنية على نظرية اقتصادية وهي نظرية العرض والطلب، بهذه العبارة بدأ فيصل علي (محاسب) حديثه واستمر: فكلما قل المعروض زاد السعر والعكس، حيث أن (البورة) أصبحت هاجساً يؤرق الشباب عموماً والشابات على وجه الخصوص، أتوقع أن هذا يدفع البعض للعمل بالمثل “كان ما بلعت ريق على ريق .. ما بتسوي ليك رفيق”، ومع الاعتياد على عملية البلع المستمر يحدث تهتك في الحبال الصوتية، تمنع الشخص أن يقول (تلت التلاتة كم)، والكثير من الفتيات يُقحمن أنفسهن في زيجات يعلمن سلفاً أن نسبة واحتمالات فشلها مؤكدة بنسبة 99.9، وذلك لأن شكل الحياة المستقبلية واضح منذ تاريخ أول صفعة، لكنهن يُجازفن بحياتهن أملاً في النفاذ من لقب عانس.
وخالفته مودة محمد علي (خريجة) الرأي قائلة: ليس هناك ما يدفع المرء للتقليل من كرامته مهما كانت الأسباب، وتواصل مستهجنة: كيف لشخص لا يحترمك أن يحفظك ويصونك؟ ليس هذا فحسب بل يواصل في الصراخ على وجهك ناعتاً إياك بألفاظ مهينة وبذيئة، في ذات الوقت الذي تكن له فيه كل الحب، في رأيي من تُقدم على الزواج بشخص كهذا، فإنها تحكم على كرامتها وأحاسيسها وآدميتها بالموت ذلاً.
فقدان الثقة
وقالت أميرة جاد الله (ربة منزل): في إحدى المرات شاهدت شاباً يصفع حبيبته في الشارع العام وعلى مرأى من الجميع، ذهولي وفضولي دفعاني لمتابعة المشهد، وبعد لحظات من (البكا والنهيف) تمكن الشاب من إرضائها بالاعتذار المتكرر لها، وعادا (زي السمن على العسل) وكأن شيئاً لم يكن، ما دفعني للتساؤل عن ماهية السبب الذي جعلها في الجدال مع الشاب دون أن تضع حداً لهذه الإهانة، ولو برحيلها. وتستطرد أميرة: أول ما تبادر لذهني هو السؤال التقليدي “ياربي ماسك عليها ذلة؟”، أي أنها فرطت في نفسها ما دفعه للاستهانة بكرامتها والبحث عن مبررات تجعلها تتخلى عنه، فمن سابع المستحيلات أن يتزوج رجل سوداني بفتاة عبث معها. وتضيف: بالتأكيد سيفقد ثقته بها، وفي آخر الأمر هي من أوقعت نفسها في هذا المأزق بارتضائها لنفسها قبيح الأفعال.
شخصيات مُضطربة نفسياً
ووصف الطبيب النفسي، عمرو محمد الحسن من يعبرون عن سخطهم باستخدام الضرب والألفاظ البذيئة، بأنهم شخصيات مضطربة نفسياً، وبالتأكيد هم في أمس الحاجة لجلسات إعادة توازن.
ويواصل دكتور عمرو: في الغالب تكون هذه الاضطرابات رواسب لتربية متسلطة عززت بداخلة حب السيطرة والتسلط، أو للعيش في بيئة غير سوية جعلته يمر بتجارب قاسية ما ولد داخله العنف الزائد وعدم مراعاة الآخرين في حالة التعبير عنه، وفي رأيي أن التربية الذكورية غير المتزنة التي تسمح للفتى بالسيطرة التامة على الفتاة بدون ضوابط من أهم العوامل المساعدة على ظهور شخصيات كالسابقة الذكر
اليوم التالي
خ.ي