في الاجتماع الأول للجنة تخليد المهندس حسن أحمد وجدت الحوار والنقاش يدور حول عشق الراحل لأم درمان وتم ترشيح بعض المواقع الأم درمانية لمهرجان التخليد فطلبت فرصة الحديث وقلت إن ما قدمه المهندس الراحل للسودان لم يقدم جزءاً منه لمعشوقته البقعة، وقلت لقد كرم السودان بعض الراحلين في قاعة الصداقة حتى يجد الحدث حقه من الاهتمام الرسمي والشعبي والإعلامي، وضربت مثلاً بالراحلين العزيزين الطيب صالح والدكتور محمد إبراهيم أبو سليم.. وستبدأ الاتصالات لاستضافة الحدث، وبإذن الله ستنجح اللجنة.
المهندس حسن أحمد عمل بالتلفزيون فور تخرجه مهندساً من المعهد الفني، وأظهر روحاً وبراعة ويكفي أنه في أول بعثة تدريبية دراسية له في ألمانيا عكف على اللغة دراسة اللغة الألمانية وأتقنها بمختلف لهجاتها أو كما قال بعض الخبراء الألمان أنه يتحدث لغة بلدهم أفضل منهم.. ويعرفه العاملون بأنه المهندس الذي يتسلق قبل العاملين البرج الشاهق للاطمئنان عليه.. وحين تبحث عنه تجد أرجله ممتدة وكل جسده أسفل الأجهزة لإصلاحها، وأتحدى أن يكون هنالك مهندس أو حتى فني مثله.
وتحدث من قبل البروفيسور علي شمو أنه لم يشاهد المهندس حسن أحمد مرتدياً بدلة كاملة أو بدلة صيفية سفاري طيلة حياته، وكان يكتفي باللبس العادي.. وكمان القميص خارج البنطلون.. ودائماً ما يفاجأ ضيوف التلفزيون حين يجدون المدير هكذا وبدون مقدمات أو سكرتارية أو مكتب تنفيذي وهو ما يهتم به المديرون أكثر من اهتمامهم بالإنجازات والسمعة الطيبة والبعد عن الانزلاق في الممنوع.
عرفت حسن أحمد مبكراً، وبالتحديد في العام 1969م حين تقلدت أول وظيفة في حياتي محرراً بقسم الأخبار بالتلفزيون بمرتب هائل قدره «18» جنيهاً، وعرفته فيما بعد العودة من الاغتراب وكان مديراً للإدارة الهندسية، وتصوروا مدير تلفزيون يقال ظلماً، ثم يطلب منه العودة للعمل مديراً لإحدى الإدارات ويوافق، ومن غير المهندس حسن أحمد فعل ذلك، وخلال هذه الفترة أسهم في العديد من الإنجازات التي أترك تفاصيلها لمهرجان التكريم والتخليد.
اكتفي اليوم بإبراز واحدة عشتها كعضو في الإعلام الرياضي.. فقد نقل المهندس حسن أحمد بطولة كأس الأمم الإفريقية تلفزيونياً في العام 1970م.. تصوروا قبل 44 سنة تلفز السودان بطولة من الخرطوم وواد مدني ولم تعرف كل دول القارة والشرق الأوسط التلفزة، وحين ذكرت هذا في أحد اجتماعات اتحاد الإذاعات العربية ضحك الإخوة العرب ولم يصدقوا رغم القسم الغليظ.. وسألته فيما بعد وأجاب كانت أول تجربة للمايكرويف.. وكان يضع طبقاً في رأس مبنى بلدية واد مدني وآخر في المسيد وثالث في سوبا والرابع في التلفزيون، فيما كان البث من أستاد الخرطوم أسهل.
شخص كهذا يستحق التكريم من الدولة والشعب السوداني.. ومن جامعة السودان ومن وزارة الاتصالات ومن نادي الهلال عشقه الأكبر ومن أم درمان كلها ومن التلفزيون القومي ومن كل التلفزيونات الولائية التي أنشأها من قناة الخرطوم الدولية التي أسسها في التسعينيات كأول تجربة عربية في نظام البث المحوري وظل بها مستشاراً يأتي مبانيها مبكراً ويأخذ مجلسه بكل تواضع تحت شجرة النيم الظليلة ويتناول القهوة ثم يقبل على العمل ولا يغادره إلا قرب المساء، ولكن قبل سنة تقريباً تلقى خطاباً من ثلاثة أسطر بتوقيع المدير المعزول بالاستغناء عن خدماته.. وكانت مفاجأة وظل لأيام يأتي مبكراً لنفس الشجرة وينظر لمدخل المبنى، ولكن هذه الأيام لم تستمر طويلاً حتى داهمه المرض والاكتئاب فسارع صديقه الوفي الدكتور معتز البرير بحجز جناح له في رويال كير رافضاً أي تدخل من الدولة أو الأصدقاء في كلفة العلاج الباهظ.. وظل ما بين الاكتئاب والغيبوبة والسؤال عن حال التلفزة وراحة المشاهدين حتى استرد صاحب الوديعة وديعته، وودع بعد حياة حافلة بالنماذج الهائلة للإخلاص لهذا الوطن.. رحم الله المهندس حسن أحمد عبد الرحمن.. وألهم كل عارفي فضله وجهده لتخليده بما يستحق. ألا قد بلغت اللهم فاشهد. «إنا لله وإنا إليه راجعون».
تقرير: كمال حامد
صحيفة الإنتباهة
ت.أ