«غوانتانامو» ثقب أسود في أخلاق أمريكا والتمييز يهدد التعايش في الغرب.. ما هي تفاصيل التعذيب و التحرش

[JUSTIFY] مما لا شك فيه أن الولايات المتحدة الأمريكية مسؤولة على أحداث كبرى هنا وهناك وكل ذلك يأتي تحت مظلة أنها سيدة العالم حينا وحماية أمنها القومي حينا آخر. وما من أحد لا يستحضر سجن «غوانتانامو» هذا المرتع الأمريكي المجهز بتقنيات عالية في التعذيب وانتهاك حقوق الإنسان والحجة في ذلك محاربة الإرهاب وحماية الشعب الأمريكي من الخطر الخارجي.

وأمام تعالي أصوات المنظمات الدولية وبعض الشخصيات الحقوقية، وتسريب العديد من الشهادات للعائدين أحياء من هذا الجحيم عن حجم الانتهاكات التي ترتكبها في هذا السجن، وبعد أن صنف الرئيس الأمريكي السابق جورج بوش الإبن كأسوأ رئيس بسبب هذا المعتقل، بدأ الحديث عن إغلاقه يطرح على طاولات الساسة الأمريكيين.

ويبدو أن هذا الملف يعيش مخاضات كبرى هذه الفترة قد تنتهي إلى قرار مفاده انتشال هذه البؤرة السوداء والوفاء بالوعود التي انطلقت منذ سنة 2009 بالتخلص من هذا الجحيم. قناة «العربية الحدث»، وفي فقرة «نهاية الأسبوع» توقفت عند عملية إطلاق سراح بعض مساجين «غوانتانامو» وإرسالهم إلى دول أخرى، وتساءلت عما إذا كانت هذه الخطوة ستنتهي فعليا إلى غلق السجن.

التقرير كشف عن إطلاق سراح ثلاثة عشر شخصا منذ الشهر الماضي تم نقلهم إلى الأوروغواي وجورجيا والكويت والسعودية وغيرها من الدول، فيما منع الجمهوريون أصحاب الأغلبية في الكونغرس الأمريكي نقل بعض العناصر الأفغان تخوفا من أن يشكلوا تهديدا على أمريكا. كما تحدث التقرير عن إمكانية مراهنة الرئيس باراك أوباما على النائب الجمهوري جون ماكيين في مهمة ردم ملامح المعسكر. المتأمل للوضع عموما قد يدرك صعوبة أو بالأحرى استحالة المسألة لعدة اعتبارات، أولها القانون الذي سنه الكونغرس الأمريكي ويجدد سنويا يقر استمرار فتح سجن «غوانتانامو» وعدم نقل المعتقلين إلى سجون أمريكية. فليس بالإمكان الحديث في دولة يقول عنها الكثير بأنها ديمقراطية ـ ونعني بذلك الولايات المتحدة الأمريكية ـ أن تتمرد على النص القانوني الذي يمرره هيكل له الثقل الأكبر في البلاد، ولا سيما أن هذه الأغلبية داخل هذا الثقل يعود إلى الغريم والمنافس الدائم بالنسبة للديمقراطيين في أمريكا ونعني بذلك الجمهوريين.

ثانيا، يبدو أن الجميع يتأمل خيرا من نجاح السيناتور جون ماكين، الذي نجح في الانتخابات النصفية التي ستؤهله ليشغل منصب رئيس لجنة شؤون القوات المسلحة في مجلس الشيوخ الأمريكي مطلع العام المقبل. وطبعا تأتي هذه الانتظارات من منطلق أن الأخير قد عايش تجربة السجن في فيتنام، وبالتالي هو على إطلاع موضوعي وذاتي بمسألة التعذيب والتعامل اللا إنساني مع المعتقلين وجور القضاء في مثل هذه الملفات.
لكن يبدو أن تأمل التغيير من وراء هذا النائب الجمهوري عبثيا لأن منطق التجربة الذاتية لن يجد له موطأ قدم مع السياسة الأمريكية التي تضع مفاهيم الأمن القومي والقضاء على الإرهاب فوق كل اعتبار. هذا دون أن ننسى أن التيار الجمهوري يعارض فكرة غلق السجن ويعارض خيار الرئيس باراك أوباما منذ توقيعه أمرا تنفيذيا بغلق هذا الجحيم في غضون سنة في بداية سنة 2009 غداة تسلمه الحكم ليتراجع عنه قبل نهاية السنة لاستحالة نقل المساجين إلى معتقلات داخل أمريكا بسبب القانون الذي سنه الكونغرس ذو الأغلبية الجمهورية.

كما لا يمكن أن نتغاضى عن معطى بالغ الأهمية وهو أن «غوانتانامو» يبقى جزءا من سياسة كاملة، ومن خيار وتوجه عام للبلاد ولن تتخلى عنه حتى تنتهي الاستراتيجية الكبرى للولايات المتحدة الأمريكية التي ما زالت ترفع شعار مقاومة الإرهاب في كل محطة تطؤها قدمها.

لعبة الإرهاب

ولهذا فإنني أجزم أن الحديث العملي عن غلق هذا السجن لن ينتهي حتى تنهي أمريكا «لعبة الإرهاب» التي أصبحت منتوجا رائجا جدا في العالم، وطبعا «غوانتانامو» يعتبر أحد الآليات الهامة في هذه اللعبة وسيتمر أمده باستمرار امد السياسة الأمريكية. وللتذكير فإن هذا المعتقل قد تم فتحه في يناير/كانون الثاني من سنة 2002 في قاعدة عسكرية أمريكية ساحلية جنوب كوبا، في إطار عقد إيجار بين الجانبين يعود إلى العام 1903.
وبدأ العمل فيه بعد هجمات 11 سبتمبر/أيلول 2001 في ظل إدارة الرئيس الأمريكي السابق جورج بوش، ليضم المعتقلين المصنفين بأنهم «مقاتلون أعداء».
وقد لقيت الانتهاكات الكبيرة الجارية في المعتقل الكثير من الرفض والتنديد من قبل العديد من المنظمات الدولية والكبرى على غرار «هيومن رايتس واتش» و»منظمة العفو الدولية» وغيرهما. ففي 16 نيسان/أبريل على سبيل المثال لا الحصر أصدرت مجموعة حقوقية دراسة تضم أكثر من 560 صفحة، نددت بممارسات الاستجواب التي كانت متبعة في عهد الرئيس الأمريكي جورج بوش والمستمرة حتى الآن.
وخلص التقرير إلى أن كبار المسؤولين بالدولة من أعلى المراتب وأرفع المناصب يتحملون المسؤولية الأساسية عن السماح بتفشي تقنيات الاستجواب غير القانونية وغير الملائمة. كما انتهت الدراسة إلى أن هناك معلومات كثيرة انتزعت تحت تأثير التعذيب وغيره من ضروب المعاملة السيئة. كما نشرت صحيفة «نيويورك تايمز» مقتطفات من يوميات كتبها السجين الألماني «مرات كورناز» التي وصف فيها صورا مدوية عن التعذيب الذي تعرض له.
هذا دون أن ننسى حالات الوفاة التي شملت تسعة معتقلين لقوا حتفهم من شدة التعذيب، ثم يمرر تقرير عن أنها حالة انتحار. ورغم فظاعة ما يجري في هذا المعتقل الذي لا تكفي مئات الصفحات لتحكي حقيقة ما يمارس داخله إلا أن الأمل بغلقه يبقى رهين تغيير الاستراتيجيا السياسية لأمريكا وليس في يد أشخاص بما في ذلك شخصية الرئيس.

صحوة تاريخ السود في أمريكا

وما زلنا في أمريكا التي شغلت الدنيا بملفاتها الخارجية والداخلية أيضا، فمن المعتقل المؤجر لاستقبال الإرهابيين على حد تعبيرهم، إلى العنصرية المستفحلة التي تتبجح بالديمقراطية. فما زال السود الأمريكيون يعانون جدا من سياسة التمييز التي بلغت حتى الموت على يد عناصر الشرطة لأسباب عنصرية.
ولم يغير صعود رئيس أسود لسدة الحكم شيئا بل تفاقم الوضع أكثر. قناة «سي أن أن» عرضت مؤخرا تقريرا بعنوان «مليونيات غضب في شوارع مدن أمريكا احتجاجا على عنصرية الشرطة ضد السود» تترجم عمق هذه الأزمة في أمريكا اليوم.

التقرير تحدث عن أن خروج هذه المجموعات جاء على خلفية تتالي اعتداءات عناصر بيض من الشرطة على مواطنين سود وصلت حد القتل. مع العلم أنها ليست المرة الأولى التي ينزل فيها هؤلاء إلى الشارع للتنديد باستفحال ظاهرة التمييز البوليسي ضد السود وقمعهم وتكرار الاعتداءات.
أوردت بعض شهادات المتظاهرين على غرار قتل شابين غير مسلحين على يد رجال شرطة بيض. تقرير أعادنا إلى فترة نجاح أول رئيس أمريكي في الوصول إلى البيت الأبيض وما تبعه من تهليل للمواطنين السود أملا في رفع الظلم وتحقيق القدر الملائم لحياة يضمنون فيها حقوقهم المدنية بالمساواة مع نظرائهم البيض.

لكن رغم التحسينات في الاجراءات التي تحدث عنها الكثيرون إلا ان القواعد الأولى لم تتغير لأنها راسخة ومتجذرة في طريقة التفكير والثقافة اليومية لغالب المجتمع الأمريكي. فما زال العمل بمقولة أن الرجل الأسود طالما يشكل تهديدا، فإنه بالإمكان قتله مثل الوحوش المسعورة حتى لو لم يكن مسلحا، وحتى لو كان طفلا. كما ما زال التصرف العنصري لرجال الشرطة البيض متواصلا ويحدث في كثير من الأحيان عمدا، لأنه وبالنسبة للبعض من رجال الشرطة البيض، فإن حياة الرجل الأسود هي أقل قيمة من حياة رجل آخر.
ولهذا فإن علاج هذه الظاهرة وقبل أن يعرج إلى العلاج الشكلي والتقنين فإنه لا بد أن ينطلق أساسا من النفسية العميقة الأمريكية التي ما تزال تختزن فكر التحيز العنصري المتجذر من تاريخ العبودية، الذي ما زال يلقي بظلاله على الأجيال الناشئة.

ولهذا فإن العنصرية البوليسية الرهيبة المستشرية ليست هي السبب الوحيد في وفاة الشابين وغيرهما من الضحايا لأسباب عرضية ولا تبرر عملية القتل. وبالتالي فإن الأطر التي تقر بضرورة تنظيم حمل السلاح للحد من الضغط المسلط على رجال الشرطة، وحسن تدريب رجال الشرطة على احترام القوانين، ووضع حد للشعور بالإفلات من العقاب لرجال الشرطة هي أطر منطقية وهامة ولكنها ليست الأساس. فدون النجاح في زرع ثقافة التعامل على قدم المساواة والقانوني مع الشخص الأبيض الأسود فإن هذه الأحداث لن تتوقف. ولن يمنع انعدام السلاح او الحد من حمله الشرطي من إيجاد وسيلة أخرى لممارسة ثقافته العنصرية.
[/JUSTIFY]

[FONT=Tahoma] القدس العربي
م.ت
[/FONT]
Exit mobile version