الطيب مصطفى : آن الأوان يا محمد عطا!

[JUSTIFY]التصريحات النارية للفريق أول محمد عطا مدير جهاز الأمن والمخابرات والتي حذَّر فيها حكومة الجنوب من دعم الحركات المتمردة، وقال إن القوات المسلحة وقوات الدعم السريع ستُلاحق المتمردين في أي مكان وإن السُّودان صبر كثيراً على دولة الجنوب.. تلك التصريحات الملتهبة تحمل في طياتها الكثير المثير سيما وأن ذلك التصريح صدر من رجل المخابرات الأول في السُّودان، والذي يعلم ما يقول ولديه من المعلومات ما جعله يصدع بذلك التحذير المدوِّي المحمَّل بالتهديد والوعيد.

محمد عطا يعلم كذلك أن عدو السُّودان التاريخي يوري موسيفيني الذي يحكم يوغندا بالحديد والنار، والذي يحشر أنفه في شؤون جيرانه بل وفي كل الدول الأفريقية جنوب الصحراء، ضالع في زعزعة استقرار السُّودان خاصة وأن يوغندا هي التي تحتضن الجبهة الثورية والمعارضة المسلحة في أراضيها، بل إنه قد سبق لمعظم المعارضين للحكومة السُّودانية أن تكأكأوا عليها ووقَّعوا على ميثاق كمبالا المسمى بميثاق الفجر الجديد والذي يهدد أمن السُّودان واستقراره ويسعى لإعادة هيكلته وتدمير هويته.

لا أريد أن أذكِّر بعلاقة موسيفيني بجون قرنق منذ أيام دراستهما في العاصمة التنزانية دار السلام وحضورهما مذابح زنجبار التي قُتل فيها عشرات الآلاف من العرب في أيام معدودات في ديسمبر 1964 مما وثَّقه بروف عبد الله علي إبراهيم في دراسة تاريخية وافية، بالرغم من أن موسيفيني يُعتَبر المتهم الأول مع سلفاكير في مقتل صديقه القديم قرنق، لكني فقط أود أن أربط بين الرجلين، وبين أحداث زنجبار التي شهداها والتي شكَّلت منعطفاً مهماً في نظرتهما للوجود العربي في أفريقيا هي مما بَنَيا عليه نظرية السُّودان الجديد، التي تقوم على إعادة هيكلة السُّودان بما يجعله دولة أفريقية لا علاقة لها بمحيطها وثقافتها العربية الإسلامية.

من هنا نشأ ذلك العداء التاريخي لموسيفيني للسُّودان، مما أردتُ فقط التذكير به حتى نعلم جميعاً أن الجبهة الثورية وقطاع الشمال الذي يشن الحرب على السُّودان الآن يجد الدعم من موسيفيني بأكثر مما يجده من حكومة دولة الجنوب التي أصبحت مستعمَرة لدى موسيفيني، كون قواته هي التي لعبت دوراً حاسماً في التصدي لثورة رياك مشار على الرئيس سلفاكير، وهي التي لا تزال تحتل جنوب السُّودان عسكرياً مما مكَّن موسيفيني من فرض رؤاه وسياساته على حكومة دولة جنوب السُّودان.

دولة جنوب السُّودان ويوغندا من ورائها يعلمون أن كسب معركتهما مع مشار وغيره من معارضي سلفاكير تمر عبر زعزعة استقرار السُّودان وإغراقه في الحروب والمشكلات الاقتصادية، بالنظر إلى أنه يظل على الدوام المتهم الأول فيما يجري في الدولة الجديدة حتى وإن كانت الحقيقة غير ذلك، خاصة وأن القضايا العالقة بين الدولتين مثل الخلافات حول الحدود وغيرها لم تُحسم بعد، هذا فضلاً عن العداء التاريخي جراء الصراع المتطاول قبل الانفصال، كما أن مساندة قطاع الشمال والحركات الدارفورية لدولة الجنوب في حربها على مشار تفرض على سلفاكير سداد هذه الفاتورة من خلال دعمها بالسلاح.

ذلك كله مما يضطر الحكومة إلى حسم خياراتها بصورة واضحة كالتي أعلن عنها الفريق محمد عطا، الأمر الذي يقتضي اتخاذ سياسات لا تقبل التخفِّي خلف العبارات الدبلوماسية حمَّالة الأوجه.

لذلك كله لم أدهش البتة من القرار الذي أُتخذ بشأن نقل اللاجئين الجنوبيين الذين فروا من جحيم الحرب الأهلية ولاذوا بالسُّودان إلى معسكرات طرفية ذلك أن القضية أكبر من أن تُعالج من خلال العواطف كونها تتعلق بالأمن القومي الذي يمكن أن نؤتى منه ونحن في غفلتنا سادرون.

لا أزال أذكر عبارة (Shoot to kill) التي أطلقها الأستاذ علي عثمان يوم كان نائباً لرئيس الجمهورية عندما توتَّرت العلاقات بين الدولتين، ولم يجد السُّودان مفراً من تضييق الخناق على حكومة الجنوب من خلال إغلاق الحدود ومنع التجارة مع دولة الجنوب بالرغم من الآثار الاقتصادية السالبة لذلك القرار على السُّودان.

الآن نحتاج إلى أن نحيل رسالة الفريق أول محمد عطا الشفهية إلى فعل على الأرض من خلال اتخاذ تدابير تحمل سلفاكير على الانصياع لما يقتضيه حُسن الجوار من كف لأذى الحركات المسلحة التي تتخذ من جوبا منصة انطلاق للسلاح المقدَّم من دولة الجنوب ومن موسيفيني نحو السُّودان.

التقارير الدولية تتحدث عن مجاعة طاحنة تفتك بملايين الجنوبيين وعن أن دولة جنوب السُّودان على شفا الانهيار وعن تململ الإستوائيين وتحرُّكهم نحو الانفصال عن دولة الدينكا المسيطِرة على جوبا عاصمة القبائل الإستوائية.

نحتاج إلى أن نُحسن استخدام الكروت التي في أيدينا في معركة تأمين حدودنا وأمننا القومي، فلطالما تعاملنا مع أعدائنا بسذاجة وطيبة، ذُقنا من تداعياتها الكثير، أما التفاوض مع الحركات المسلحة، فذلك شأن آخر يقتضي تعاملاً سياسياً وعسكرياً آخر.

صحيفة الصيحة
ت.أ

[/JUSTIFY]
Exit mobile version