النسخة الحديثة من أغاني البنات.. رغبات مسكوت عنها ببساطة وصراحة

[JUSTIFY]في الماضي اتخذت أغنيات البنات طابع الغزل وتناولت في طياتها أحاديث الشوق والغرام بصورة أكثر تحفظا مما هي عليه في عصرنا هذا، وكانت تُستخدم لتعليم العروس الرقص الخاص بها في يوم زفافها على إيقاع الدلوكة، وتناولت الغزل بالمهن وعلى سبيل المثال لها: “يا الماشي لي باريس.. جيب لي معاك عريس.. شرطا يكون لبيس.. من هيئة التدريس” أو أن يكون بحسب مواقيت حضور الحبيب على غرار “الليلة وين أنا يا البي العصر مرورو”، لكن شيئا فشيئا ابتعدت هذه الأغنيات عن الغزل في الحبيب لتتخذ أنماطا أخرى، من هذه الأنماط التعبير عن الرغبة في الترحاب بمبدأ تعدد الزوجات، والدعوة لذلك بتمجيد (راجل المرا) في الأغنيات، لتدحضها من الجانب الآخر (مرة الراجل) بأغنية مضاده تقول فيها: “في زولي أوعى تفكري.. يا شلابة ما بتقدري”- والشلابة هي المرأة التي تسرق الرجل من زوجته- وتستمر الأغنيات في التعبير عن رغبات البنات.

أغنيات صريحة

ما إن تدخل أحد بيوت المناسبات حتى تتنامى إلى أذنيك هذه الأغاني الصريحة والواضحة والمتمردة في بعض الأحيان على القيود المجتمعية، التي لا تستهجنها السيدات ويتمايلن على أنغامها، فما السبب الذي أدى إلى تغيير شكل غناء البنات، ليبتعد عن الرومانسية الحالمة ويتخذ الأشكال الهجومية المدافعة عن الحق في الحبيب؟ وهل يمكن أن يتلاشى شكل الأغنيات القديمة لتصبح مع مرور الوقت أغنيات تسرد واقع حال البنات في المجتمع؟

تمرد على الواقع

الغناء هو تعبير صريح عن ثقافة المجتمع في وقته الراهن، هكذا ابتدر د. فتح العليم عبد الله أستاذ التاريخ والحضارة بجامعة أمدرمان الأهلية- حديثه. واسترسل قائلا: وتناول أغنيات البنات للقضايا المجتمعية هو دليل على الاحتجاج والتمرد على الواقع. فالمرأة اليوم تتمتع بقدر أكبر من الوعي بحريتها بخلاف السيدات في الماضي، لذا أصبحت تعبر عن رغبتها بشكل أوضح في شتى الأمور الحياتية، فتبدأ بصياغة الواقع بحسب وجهة نظرها وما تعتريها من مشاعر وآلام وآمال، وتجاهر من خلالها برأيها بشكل واضح وصريح لتوصيل رسالتها، سواء أكانت للرجل أو للمرأة التي تحاول مشاركتها في رجلها. وأضاف د. فتح الرحمن: ولم تتغير رغبات البنات والسيدات عن ما مضى لكنها أصبحت تعبر عن رغباتها المسكوت عنها بمنتهى الصراحة. واستطرد: وإن اختلفت المسميات من (مغارز) وشابهها من أساليب غناء، فالسبب الأساسي هو الحوز على رجل.

الحب فقد مصداقيته

ورأى الأستاذ إسحاق الحلنقي أن السبب الأساسي في تغير شكل غناء البنات، وتحوله لمجموعة معانٍ تتناول الخيانة وتعددية العلاقات هو انعدام المصداقية في الحب. وقال: أصبح الحب الصادق مفقود وسط ألوان العلاقات الرمادية الرائجه هذه الأيام، ما جعل الناس تلجأ للتعامل مع بعضها البعض بنفاق ما أدى لانعدام الأخلاق، وهذا ما جعل الفن يصبح هابطا وإثر هذا الهبوط في شتى أنواع الغناء مثل أغاني البنات. واستطرد قائلا: ففي الماضي كانت للحبيبة قدسيتها، وكان من الصعب أن يصل الحبيب إليها في أي وقت، ما ولد حالة من الحرمان بين المحبين أنتجت شعرا رقيقا صادقا، أما اليوم فقد ساهمت التكنولوجيا من (واتساب، فيس بوك، تويتر) وغيرها من مواقع التواصل الاجتماعي، في جعل الحبيب متاحا (ومتصل الآن) في أي وقت وأي مكان، ما قلل الشوق حد التلاشي، فأصبحت المفردة تخرج من الشاعر بلا إحساس وجعل الحب يفقد طعمه ورنقه، فأصبحت العلاقات العاطفية في غاية الهشاشة وباتت هدفا سهلا لشباك المغرضين، وشيئا فشيئا تغير شكل غناء البنات اللطيف الذي يتغزل في الحبيب، ويعبر عن لوعة العشق والعاشقين، ليتحدث عن الخيانات العاطفية والشلابة.

ظاهرة اجتماعية

ويعتبر كثير من الباحثين الذين التفتوا لنمط غناء البنات مؤخراً أنها ظاهرة اجتماعية وفنية تستوجب النظر والتأمل بالاقتراب منها بشكل علمي. وفي رأى كثير منهم، فإن نمط الغناء هذا يكشف الكثير من النواحي الإيجابية والسلبية التي شهدها المجتمع السوداني عبر عقود من الزمان. وتشمل أغاني البنات أنواعاً عديدة من بينها أغاني (السباتة) التي ترقص على إيقاعاتها الصاخبة العروس بصحبة نساء فقط كذلك هناك أغنيات (المناحات) التي تُغنى في المآتم، إلى جانب أغنيات الحصاد والمطر وغيرها.

اليوم التالي
خ.ي

[/JUSTIFY]
Exit mobile version