د. ربيع عبد العاطي عبيد : لماذا تتعدد المناصب للشخص الواحد؟

[JUSTIFY]أكاد أجزم بأن هذا البلد المعطاء، يزخر بكوادر بشرية ومتخصصين في شتي ضروب المعرفة الإنسانية، بما لا يمكن مقارنته مع أية دولة في إفريقيا، أو العالم العربي، ولكن ما يجعل الحليم حيراناً، أن هذه الثروة ظلت في خزائنها دون استغلال، مع عدم معرفة الأسباب، أو قد تكون الأسباب معروفة دون الإفصاح عنها لحاجة في نفس الذين تسببوا فيها والله أعلم.
> وبنظرة عميقة لمن يشغلون المناصب السيادية والتشريعية والتنفيذية على المستويين الولائي والإتحادي، لما أخطأ النظر أن مسألة التوظيف والتعيين تدوران حول شخصيات بعينها، وهي التي تظهر في صورة المشهد السياسي وتتقرب للمسؤولين زلفى، إما عن طريق الإطراء والمدح، وإما عبر الزيارات المتعاقبة لهم بمنازلهم ومكاتبهم، إلى درجة قدرتهم على حجب أنظار المسؤول، فلا يرى إلا هم، ولا يرشح سواهم، علماً بأن مستودع الكفاءات مليء بالنفائس والذخيرة الحية لأولئك الذين يقلون عند الطمع، ويفزعون عند ما يدعو داع الفداء، وتصبح هناك حاجة لمن يؤمن بالمبدأ، ويتجرد عند انكباب الطامعين على المغانم والوظائف، ومكاسب البسيطة الزائلة. وتعدد المناصب للشخص الواحد، حاربته بنصوص قاطعة وثيقة الإصلاح التي أصدرها المؤتمر الوطني، ولكن فيما يبدو أن داء الاستحواذ قد استحكمت حلقاته بحيث أصبح الفكاك منه عسيراً وغير يسير، بدلالة أن أفراد بعينهم قد شغلوا مناصب بالجهاز التنفيذي، ولم يقنعوا بمهام جسام أوكلت لهم، فزحفوا نحو الأجهزة الحزبية التنفيذية من أمانات وقطاعات، ومنهم من لم يكتف بذلك بل تحرك نحو مجلس الشورى، وهذه تعتبر عورة غليظة تقدح في مصداقية الحزب وتهمش من كوادره، وتغري نحو احتكار السلطات، الأمر الذي سيقود في نهاية المطاف إلى ضعف الأداء، وسيولة من الصعب التحكم في آثار ما ستحدثه من مغبة وخسران.

> وقولوا لي بربكم، كيف يستطيع شخص واحد أن يبقى وزيراً لقضاء حوائج النّاس، ثم ينشغل بهمٍ حزبي يوجب عليه المتابعة بالليل والنهار، في الوقت الذي فيه نجد أن حزب المؤتمر الوطني، حزب تفيض كوادره وتمتلئ ساحاته بأفذاذ لا يشق لهم غبار، يتمنون أن يسند إليهم تكليف، أو يوجه لهم توجيه، لينجزوه في طرفة عين دون ملاحقة، كما يلاحق أولئك الذين أرهقوا بأكثر من منصب، فلم يستطيعوا الوفاء بواجبات هذا أو ذاك.
> ولقد جمعتني الظروف بإخوة أفاضل، كان هذا الموضوع محوراً من محاور نقاشهم وجدالهم، فكنت من الذين يدافعون عن إخواننا المسؤولين في مركز اتخاذ القرار، بأنهم تحت وطأة، وتحديات كثيرة جعلتهم لا يسيرون إلا في اتجاه أسماء بعينها، دون أن يكون القصد بأن تتكرر الأسماء، لكنهم لفرط مشغولياتهم حدث ذلك الانزلاق، ولكن لم يصمد دفاعي عند ما نهض أخ آخر قائلاً إن الذين يشغلون أكثر من موقع قد وجدوا أنفسهم كذلك، لأنهم يطيعون، ولا يجرأون على رفض أمر أتاهم، حتى وإن كان هذا الأمر بحاجة إلى تعديل أو تصحيح، وأن الداء ليس فيمن كُلّف، لكنه داء أصاب متخذ القرار، فهو لا يرغب في شخص إلا الذى يقول نعم، وهذا النمط يكره أصحاب الرأي ، ومن لهم شخصيه واستقلالية، كما لا يحب أن يرى أولئك الذين شاع عنهم بأنهم من أصحاب الماكينات الضخمة والكاسحات التي تهدد حتى من يتخذ القرار.

> وفي إطار التحليل لظاهرة تعدد المناصب في الحزب والدولة، ذهب بعض الذين كانوا جزءاً من ذلك الحوار، إلى أن المؤتمر الوطني وكل الأحزاب الوطنية إلتى تسعى نحو الحكم، ينبغي عليهم جميعاً أن يضطلعوا بالبحث في كوادرهم، وإجراء إحصاء لمن ينتسبون إليهم، لمعرفة ما تتمتع به أحزابهم من قدرات وإمكانيات، وبالتالي تتوفر لدى تلك الأحزاب قاعدة بيانات توضح من هم أهل التخصص، وما هي سيرتهم الذاتية، ولمن يسند هذا التكليف، أو في أي إتجاه تتجه حركة التوظيف والتعيين.
> وفيما لو أن فعالياتنا الحزبية استطاعت القيام بمثل هذا الجهد، لتوزعت أعباء الدولة والمجتمع، ولما عانت البلاد من أزمة سياسية أو اقتصادية، ذلك لأن مهندسي الدولة المعاصرة، والمجتمع الحديث، يوجدون في ثنايا هذه البلاد وينتشرون في كل ركن من أركانها، وعندئذ ستتحول النهضة من شعارٍ إلى واقع، ويتحول التحدي إلى معركة للنصر ويجرجر الذين تحدونا أذيالهم في شكل هزيمة نكراء، أما إذا استمر حالنا بالتركيز على أشخاص ليقوموا بكل شيء، فإننا بذلك نكون قد سرنا في طريق لا يحقق نجاحاً ولا يصيب أي هدف من الأهداف.
> ورحم الله الرجل الإنجليزي الذي قال:
Jack of all Trades Master of none

صحيفة الإنتباهة
ت.أ

[/JUSTIFY]
Exit mobile version