كيف يمكن لقطاع الشمال أن يصل لاتفاق مع الحكومة لا يشمل حلفاءه في (الجبهة الثورية) وقد تعاهدوا على العلن في “باريس” وقبلها.. وبعدها.. على عدم انفراد طرف من أطراف هذا التحالف بتوقيع اتفاق (ثنائي) مع الحكومة حتى لا تضعف بقية الأطراف ويسهل اصطيادها دون تحقيق مكاسبها وأجنداتها.
وبذات المنطق ترفض حركات دارفور التقدم في مفاوضات لا تستوعب قضايا المناطق الأخرى (المهمشة) بما في ذلك الجزيرة والمناقل !!
إذن كان المشهد واضحاً.. والملعب مكشوفاً لكل من يفهم قليلاً من (سياسة) أهل السودان. غير أن الحكومة كانت مصرة على تضييع الوقت في ما لا ينفع شعب بلادنا الجريح الحزين.
في رأيي وقد ذكرت ذلك هنا أيضاً وأكثر من مرة، أن الحوار مع جميع الفصائل على طاولة واحدة وبأي مسمى.. جبهة ثورية أو تجمع وطني أو تحالف ديمقراطي.. أفضل وأسهل للحكومة من (مفاوضات المناطق والجهات) التي تعلو فيها مطالب تنزع نحو (الانفصال) عن بقية جسم الوطن تحت ستار (خصوصية) تلك المناطق من النواحي الاثنية والدينية والثقافية، وهي الرافعة التي استغلوها ليفصلوا بها (جنوب السودان) عن شماله في العام 2011 ، استنادا إلى تلك (الخصوصية) التي ازدحمت بمفرداتها وحصاناتها اتفاقية السلام الشامل في (نيفاشا) العام 2005 .
لكن حكومتنا وحزبنا الحاكم يريد اتفاقيات (بالقطاعي)..!!
ربما هو (تذاكي) جديد كذاك الذي أسفر عن تقسيم السودان إلى دولتين !! وربما هو تفضيل لخطة تكتيكية مرحلية هدفها الانتخابات القادمة وضمانات فوز (المؤتمر الوطني) فيها باكتساح.. ولكنها بالتأكيد ليست مصلحة عامة وعليا تهم البلاد والعباد.
المهم.. فشلت المفاوضات كما توقعنا مراراً وتكراراً لأنه ببساطة ليس هناك من سبب واحد يجعلها تنجح !! رغم أن الوساطة تبدو للمؤتمر الوطني أقرب للحياد وأبعد عن التآمر على حكومة السودان، هكذا يبدو لهم من خلال (ظرافة) وزيارات الرئيس “ثابو أمبيكي “.. صاحب خريطة تبعية منطقة (14 ميل) للجنوب !! لكن واقع حال المفاوضات يقول ما من ورقة أو مقترح طرحته الحركة الشعبية إلا وتبنته الوساطة في النهاية بطريقة أو بأخرى، بما في ذلك السماح لوفد (الجبهة الثورية) بالظهور في جلسات المفاوضات على مساري (المنطقتين) و(دارفور) !!
انتهت الجولات (التسع) إلى (صفر كبير).. والخاسر الأول والأخير هو الشعب السوداني وتحديداً مواطنو دارفور وجنوب كردفان وجنوب النيل الأزرق.
ليس أمام الحكومة والمؤتمر الوطني الآن من خيار سوى الحوار من خلال الانتخابات.
وذلك بأن يحصل المؤتمر الوطني على موافقة أحزاب ذات وزن وقيمة وثقل على المشاركة في الانتخابات المقبلة، وأن تفتح فيها المنابر وتعلو فيها مطلوبات الشفافية والنزاهة دون أدنى تدخلات من أي جهات رسمية أو حزبية.
الحوار بالانتخابات حتى مع بعض الحركات المسلحة التي تضم قيادات وكوادر سياسية ذات معرفة وتجربة مثل حركة (العدل والمساواة) يمكن أن يكون الطريق الثاني للوصول للسلام.. وبالتأكيد فإنني لا أعني تلك الأحزاب الـ(82) التي ازدحمت بها قاعة الصداقة في دعوة الحوار الوطني ، لا أقصد أحزاباً مكونة من (راجل ومرتو وأولاده وكم نفر من الأهل والأصدقاء) . .
لا هذه ليست أحزاب وإن دعمها المؤتمر الوطني وسندها ، وحاول أن يصنع منها أحزابا !! لأنه في هذه الحالة إنما يضحك على ذاته لا على شعب مارس السياسة والديمقراطية منذ خمسينيات القرن المنصرم وقبل إعلان الاستقلال المجيد.
صحيفة المجهر السياسي
خ.ي