“سفلتة” سياسية: قالوا للسودان مين وحدك؟ قال السكة حديد وطرق برية أخرى!! موقف من شفافية التنمية سترة على الحاج

[JUSTIFY]في آخر ظهور له، يرجع عراب الإسلاميين والإنقاذ الدكتور حسن الترابي انفصال الجنوب إلى غياب الطرق المسفلتة التي تربطه بمناطق الشمال، وبالتالي ساهم هذا الأمر في زيادة حدة القطيعة بين أجزاء الوطن الواحد. التوظيف السياسي لوسائل النقل أمر لم يكن وليد لحظة التقارب الأخير بين الوطني والشعبي، فالانفجار الدارفوري كان يمكن تجاوزه حال مارست مشاريع التنمية (السترة) في إنجاز مشروع طريق الإنقاذ الغربي، الأمر الذي من شأنه التقليل من حدة الإحساس بالتهميش، وبالتالي كان للأمر أن يكون مصدات في مواجهة الداعين به، وهو ما كان يمكن أن يساهم في عملية الاستقرار. الحكومة نفسها تقوم بتوظيف الطرق باعتبارها إحدى أدوات التنمية التي قربت المسافات وترى فيها مبرراً لاستمرارها من أجل استدامة مشاريع التنمية نفسها. المناوئون للحكومة يقللون من المسألة بالسؤال.. (أموال البترول مشت (الزلط) وأموال البترول أيضاً تم توظيفها من أجل الزلط.. أموال الدهب في الزلط.. منو القال ليكم إنه الغبار مشكلة في البلد.)؟

لكن ثمة من يرى في الربط بين شوارع البلد وأهلها دواءً ناجعا لكافة المشكلات وتمتين لأواصر الوطنية بين قلوبهم لإثبات فرضيته يعود للسكة حديد والدور الذي قامت به في تمتين العلاقات بين المكونات السودانية، فما فعله قطار حلفا نيالا كان شاهداً على وحدة المصير الوطني.

رصف الطرق للسلام

يمثل الشارع الرابط بين مدينتي ربك في ولاية النيل الأبيض ومدينة الرنك بولاية أعالي النيل حالة سلام قائمة بذاتها، فهو الرابط الوحيد بين الشمال والجنوب في فترة ما بعد توقيع نيفاشا، بل كان يمثل شريانا للحياة للقاطنين على طرفيه من مواطني الدولتين. أحد السودانيين المقيمين في منطقة جودة بالسودان كان يقول ضاحكاً: هذا الطريق يمكن أن نطلق عليه (الزفت النافع) فهو يمثل نقطة لتبادل المنافع، وكان من شأنه أن يعمق علاقات الشعبين في المنطقتين، ويضيف الرجل الذي ينتظر أن يمهر السياسيون قرار عودة المركبات إليه بأنه سيكون بديلا موضوعيا لاتجاه الجنوب نحو منطقة شرق أفريقيا واستمرار الحالة على ذات منوال ما قبل الانفصال.. لكن الطريق الذي كان معداً لتبادل المنافع استغله آخرون في طريق هروبهم من الموت حين انفجرت الأوضاع جنوباً، فصار الطريق هو الرابط في الاتجاه نحو الحياة. في كل الأحوال يبقى مواطنو المناطق المتاخمة لدولة الجنوب في النيل الأبيض أكثر إصراراً على فتح الطريق وهو المرافق لفتح المعابر بين الدولتين وهو ما يتطلب قرارا سياسيا بعده يمكن توظيف الطريق في سبيل تحقيق تطلعات السلام.

ضد الإبحار

الحالة من الاعتزاز التي يتحدث بها أهل كوستي عن مدينتهم تدعمها الجغرافيا التي جعلت كوستي هي الميناء النهري الوحيد في السودان، وهي الرابط بين الشمال والجنوب.. لكن السفن أيضاً لم تنج من الرياح. حيث يقول ممثل شركة النيل للنقل النهري بمدينة كوستي في ولاية النيل الأبيض علي إسماعيل: إن حركة النقل النهري مع جنوب السودان لا تزال متوقفة، الأمر الذي أصاب حركة التبادل التجاري بين البلدين بالشلل التام وأدى لخسائر التجار, لكن الخاسرون من توقف عمليات النقل النهري ليسوا التجار وحدهم، بل يشاركهم في الأمر عمال النقل النهري الذين يجلسون في سفنهم المعطلة يمارسون الألعاب التي تؤدي لقضاء الزمن في انتظار صباح تعود فيه المياه إلى مجاري النهر، وتعود فيه عملية تبادل المنافع.. فالنقل النهري كأحد الطرق لعب دورا كبيراً في فترتي السلم والحرب وهو من شأنه في حال عاد التأكيد على مقولة أمبيكي أن النيل لن يغير مسيره وفي الوقت نفسه من شأنه إيقاف نزيف الدماء والدموع في الوقت نفسه. النقل النهري أيضاً إحدى الآليات التي يمكن توظيفها في تحقيق السلام والاستقرار بين دولتي السودان. لكنه كغيره من المتوافر دون استخدام وتوظيف أمثل.

طرق عابرة للقارات

يرجع الكثيرون حالة الاستقرار السياسي والاقتصادي والأمني بين السودان وإثيوبيا إلى الطريق القاري الرابط بين الدولتين، فحالة الاستقرار بينهما تعود وبشكل كبير إلى حالة تبادل المنافع بين سكان الدولتين، فوجود الطريق القاري قضى على كثير من التفلتات في المنطقة، وفي الوقت نفسه ساهم في تعميق علاقات التواصل بين إثيوبيا التي تجاهد حكومتها في إيجاد صيغة للسلام في دولة السودان وهو الاستقرار الذي من شأنه أن يحقق استقرارا في إثيوبيا نفسها وما ينطبق على إثيوبيا ينطبق أيضاً على أريتريا المربوطة مصالحها بكسلا في الجزء الآخر من الشرق. ما حدث في الحدود الشرقية للسودان هو المنتظر حدوثه في الحدود مع مصر. حيث يبني الكثيرون آمالاً عراضا على الطريق القاري في تعزيز علاقات التعاون وتبادل المصالح، وبالتالي التخفيف من حدة النزاعات التي يمكن أن تنشأ بين السودان ومصر وفقاً لنظرية أن المصلحة وحدها كافية للقضاء على كافة أشكال الشقاق والنزاع بين البشر في أي نقطة في العالم.

تبقى عملية توظيف الطرق لتحقيق مآرب سياسية واحدة من أهم الملامح في السياسة السودانية، فبين نزاع الحكومة والمعارضة حولها باعتبارها إحدى أدوات التنمية وبين حالات الانفجار والنزاع في المناطق الوعرة وبين عملية توظيفها للتقريب بين أهل الجوار.. تظل فكرة شارع (الزلط) فكرة حاضرة وبشدة وربما تعاود طلتها في القريب العاجل في حال بدأت حملات الدعاية الانتخابية، فالكل يعلن أنه سيهب الشعب طريقا يربطه بالآخرين في حال رصفوا طريقه هو نحو الكراسي بسلطتها.

اليوم التالي
خ.ي

[/JUSTIFY]
Exit mobile version