قلب الأم وقلب السخلة

[ALIGN=CENTER]قلب الأم وقلب السخلة !! [/ALIGN] فطر الله (قلب الأم) على التنبؤ بالخطر عندما يقترب من فلذة كبدها، بحيث يرتفع قرنا استشعار امومتها لرصده، ومن تلك الفطرة نبعت شفقة الام وخوفها على صغيرها واستعدادها الفطري المتطرف للحفاظ على سلامته وحمايته من الخطر، ولو كان الثمن هو التضحية بحياتها في سبيل ذلك لدفعته راضية دون لحظة تردد.
طالعت في عدد قديم لصحيفة، خبر طريف عن اكتشاف طاقم التمريض بمستشفى سعودي للولادة بأن هناك سيدة حديثة الولادة قد قامت بعد ولادتها بربط صغيرها بواسطة سلسلة حديدية موصولة بيدها، وذلك خوفا من فقدانه نتيجة ازدياد ظاهرة اختفاء واختطاف المواليد من المستشفيات، ذكرني ذلك الخبر بمشهد كنت قد رأيته في محطة القطارات بمدينة لندن اصابني بالدهشة وأدخلني في حالة تأمل، فقد لفت نظري مشهد أم تصطحب معها أبناءها الثلاثة لتعود بهم إلى البيت من المدرسة كما يبدو، فقد كان ثلاثتهم يحملون الحقائب المدرسية على ظهورهم .. ما يلفت النظر في هذا المشهد العادي ويحمله لطبقة الما عادي على الأقل من وجهة نظري هو أن تلك الأم كانت تضع على معصم يدها كلبش بلاستيكي (آي والله .. كلبش راسو عديل) ومن هذا الكلبش تتفرع ثلاثة سلاسل تنتهي بثلاثة كلبشات (مزهزهة الالوان) وضعت كل واحد منهم في معصم أحد الأبناء، وسارت وهي تسحبهم خلفها، بنفس طريقة الخواجات في سحب كلابهم أثناء النزهات .. تابعتها بعيون الدهشة (شيء عجيب يا زول)، حتى ركوبهم لأحد القطارات، ثم تلفت حولي لأرصد مدى اهتمام الآخرين بهذا المشهد فلم أجد غير (حلاتي) من يهتم به أو يثير انتباهه .. فوكزت (سيد الاسم) بكوعي وأنا أقول:
شوف .. دي البقولوا عليها شفقة الكديسة الخلتا تاكل أولادا!
ربما كان عذر الأم السعودية هو سابق ادراكها للخطر الذي يمكن أن يتعرض له وليدّها مما دفعها للمبالغة في ردة فعلها، كما أن شلاقة عيال الخواجات الاسطورية صعوبة التحكم في حركتهم في الاماكن العامة، مع الخطر (الما هزار) الذي يمكن أن يتعرض له الأطفال هناك عندما يتوهون عن أهليهم، هي ما دفعتهم لابتكار تلك الكلبشات البلاستيكية الحنونة، حفاظا على العيال من الجري والبرطعة يمين وشمال في الاماكن العامة، مع ترك مساحة لممارسة الديمقراطية في اختيار ما يناسبهم من ألوان تلك القيود .. فوشيا وبمبي وأحمر !!
أما ما أصابني بالحيرة فقد كان تصرف احدى معارفنا، عندما وجدتها تجلس على الارض في حديقة منزلها وهي تحمل (سوط) من غصن النيم، وتحرس صغيرها الذي يلعب على الارض بالقرب منها، ويبدو أن قدومي بكّر بانتهاء شوط اللعب فقد نادته:
خلاص تعال أدخل يا حمودي وقت اللعب انتهى!!
وكانت زيادة حيرتي .. حيرة تاآآآني، عندما استفسرتها عن حكاية (وقت اللعب)؟ فشرحت لي بأنها تسمح لابنها باللعب لمدة نصف ساعة يوميا في حديقة المنزل تحت اشرافها المباشر قبل أن تدخله للحمام!!
تلك المواقف المختلفة تؤكد على أهمية حرص الام على صغارها بدلا من الندم بعد التفريط، ولكن المبالغة في هذا الحرص قد تتحول لقيد ثقيل في اعناق الاطفال، يحد من حركتهم ويقلل من مقدرتهم على الانطلاق على سجيتهم، مما يترك الكثير من الترسبات السالبة في مستقبل حياتهم، ففي الفسحة بين (شفقة الكديسة الاكلت اولادا) و(ترك الحبل على القارب) وما فيه من تفريط، تكمن الموازنة.
كذلك فمن المعروف أن الام قد تضحي بحياتها فداءا لحياة طفلها وسلامته، ولكن لدي صديقة عزيزة ارخت لسابقة غير مسبوقة في هذا المجال، فقد سافرت صديقتي لقضاء الاجازة مع أسرتها المقيمة في بلد عربي شقيق، واصطحبت معها ابنتها ذات الثلاثة اعوام وابنها الرضيع، وبينما كانت تنام في ذات ليلة ورضيعها في حضنها وتنام في السرير المقابل ابنتها بجوار جدتها، إذ بهم يستيقضوا على صوت دوي انفجار هائل اهتز له البيت ..
رغم أن هذا البلد الشقيق كان يعاني من (توترات)، إلا أنهم حسبوا بـ(عين النعاس) أن العمارة على وشك الانهيار فأسرعوا بالتدافع للخروج منها للشارع، وبعد استطلاع الامر عرفوا بان الانفجارات كانت بسبب تفجيرات وقعت بالقرب من الحي .. حمدو الله على السلامة وتلفتوا ليتفقدوا بعضهم البعض .. كانت الحبوبة قد اخطفت صغيرة ابنتها التي تنام بجوارها وخرجت للشارع عند سماع الانفجار .. أما صديقتي العزيزة فقد قفزت من فوق رضيعها النائم في حضنها وهربت للخارج، وعندما افتقدت الحبوبة حفيدها الرضيع سألت صديقتي في فزع:
ولدك وينو يا الغبيانة؟
فأجابتها ببراءة:
خليتو جوة وجريت مرقتا رقبتي!!

لطائف – صحيفة حكايات
munasalman2@yahoo.com

Exit mobile version