عبدالباقي الظافر: كنت مع النائب الأول..!!

ظهر يوم السبت الماضي قررت وصديقي العزيز عادل سيد أحمد خليفة، زيارة النائب الأول في منزله.. الزيارة كانت من غير موعد مسبق.. من حي كوبر اتجهنا شرقا نحو حي الواحة المجاور.. مجموعة من الصبية كانوا يلعبون في طرف الشارع.. سألناهم عن بغيتنا.. فشلوا جميعا في معرفة بيت الفريق عمر محمد الطيب.. شخص آخر كان يصحب زوجته الحسناء اعتذر بحجة أنه ضيف.. درويش من أهل الله قادنا إلى بيت النائب الأول الأسبق.
البيت متعدد الطوابق ولكنه لا يختلف عن جواره الجغرافي.. لا حراسة ولا مكتب استقبال.. طرقنا على الباب ببعض التردد.. على عجل فتح الباب لنا شاب إثيوبي لا يتقن العربية جيدا.. عبرت لزميلي عادل عن مخاوفي أن يعتذر الجنرال الطيب عن مقابلة ضيوف لا يعرفهم.. بعد دقائق جاء الفريق عمر الطيب.. حيَّانا بحرارة ومودة.. بدا أكثر لطفا مع زميلي عادل.
بعد دقائق أدركت سر المودة الزائدة.. الأستاذ الراحل سيد أحمد خليفة، الذي خاصم مايو حتى زجت به في المعتقلات.. رغم الخصومة (أبو السيد) صديق شخصي لسيادة النائب الأول ورئيس جهاز الأمن الأسبق.. أخبرني عادل أنه كان صبيا وحكومة مايو تعتقل والده.. عند أول كل شهر كان عربة (بوكس) تقف أمام الدار لتمد الأسرة ببعض المواد التموينية.. بعد بحث وترقب أدركوا أنها من جهاز الأمن الذي كان يدرك أن الأسرة لا ذنب لها، ولا ينبغي أن تدفع ثمن اعتقال الأب مهما كانت الأسباب.
الفريق عمر يروي رواية أخرى.. جاءته معلومة أن الحكومة أوقفت مرتبات بعض المعتقلين السياسيين.. أصدر توجيها لوكلاء الوزارات أن يلغوا الإجراء المجحف.. يا للعجب الوكلاء رفضوا تنفيذ توجيهات النائب الأول، بحجة أن التعليمات الأولى جاءت بقرار من مجلس الوزراء.. النائب الأول هرع في ذات اليوم وفعل ما تطلبه دولة المؤسسات في ذلك الوقت.. هنالك مشكلة سيادة النائب الأول بعض المعتقلين يعملون في القطاع الخاص.. بكل بساطة أمر الفريق عمر الطيب بإطلاق سراحهم حتى يتفرغوا لكسب العيش.
ذهب اللواء عمر الطيب قائدا للقيادة الجنوبية في مستهل السبعينيات.. وقتها كانت الحرب الأهلية في اشد مراحلها.. قبل أن يفكر هذا القائد في إستراتيجية الهجوم عمل دراسة موقف.. بعدها احتاط للسيناريو الأسوأ.. ماذا إذا اضطر الجيش لإخلاء جنوبنا الحبيب.. رسم الجنرال خطة محكمة لاسترجاع الجنوب وأودعها مكانا أمينا.. إدارته لحرب الجنوب التي اسفرت عن سلام دام عشر سنوات باتت تدرس في الكليات العسكرية البريطانية.
بعد أن نزع الله الحكم من مايو وخرج النائب الأول عمر الطيب، من السجن لم يخلد للراحة والاستجمام.. ولم يفكر كغيره في حبك مؤامرات تعيده للكرسي الوثير.. تفرغ الفريق الطيب إلى نيل العلم وكسب العيش.. نال الرجل درجة الدكتوراه في فلسفة الإستراتيجية ثم خدم سنوات في المملكة العربية السعودية.
نختلف مع هذا الرجل كثيرا وتنفق معه قليلا.. ولكن هل من الحكمة ألا تستفيد بلادنا من هذه الخبرة المتراكمة لرجل كان شاهد عصر على كثير من المنعطفات في تاريخنا.. أين جامعاتنا ومراكزنا الإستراتيجية ورجل بهذه المواصفات بين ظهرانينا.
بصراحة.. نحتاج لتكوين بيت خبرة سوداني ليسهم من خلاله أمثال الفريق الطيب.. منظمة مجتمع مدني هدفها حصر الخبرات السودانية ومن ثم الاستفادة من هذه الثروة البشرية.. من قال بلادنا فقيرة فقد كذب.

عبدالباقي الظافر- التيار

Exit mobile version