مدرسة القابلات.. ود العباس تمزق شهادات وفاة الأطفال

[JUSTIFY]قبل سنوات قليلة، كان المزارع (دفع الله مصوقع) يقيم خارج قريته أثناء الخريف، وفي إحدى الليالي داهم المخاض زوجته، فاستنجد الرجل باثنين من جيرانه المزارعين لمساعدته على إحضار الداية من إحدى القرى المجاورة.

انطلق ثلاثتهم يركضون نحو القرية التي تقيم بها الداية، وبعد أربع ساعات، وجدوا أنفسهم أمام بابها، لكن المفاجأة التي كانت في انتظارهم، أن الداية الوحيدة في حضرة امرأة تتمخض لحظة وصولهم، وبالتالي لا تستطيع تركها وحدها قبل أن تضع مولودها. ورغم أنها اعتذرت لهم بلطف، لكن قلبها كان مع الزوجة ضحية المخاض التي تركوها خلفهم، فأرشدتهم على داية أخرى في قرية مجاوره، تحتاج أيضاً لثلاث ساعات سيراً بالدواب!!

# الموت المجاني

سرد وقائع ما حدث لزوجة المزارع (دفع الله) بشيء من التفصيل، بسبب حضور داية الحبل وليست قابلة قانونية بعد تسع ساعات من بداية مداهمة المخاض لها يفجع القلب، ولكن دون تفصيل، إن ما حدث بعد عودة الزوج ومرافقيه ومعهم الداية وجدوا الزوجة في حالة احتضار، والطفل بجانبها ميتاً، فأخبرتهم ابنتها ذات التسعة أعوام أن الطفل خرج ميتاً، وهو الآن بجوار أمه التي كانت تتوجع من المخاض لوحدها، وأنها أي الأم – يمكن أن تلحق به بعد قليل إذا لم يتم إسعافها إلى أقرب مستشفى أو مركز صحي، والمعلوم بالضرورة أن أي من هذه المرافق المذكورة غير موجود بالمرة في سهول وبوادي كردفان الشاسعة. حينها أكملت الداية عملية الولادة وقدمت للمرأة عدداً من الأدوية البلدية والمشروبات الساخنة، فاستردت بعض من وعيها وبدأت حالتها تتحسن شيئاً فشيئا إلى أن اكتملت صحتها بعد شهرين تقريباً، فأقسمت برب العزة أنها لن تفكر في الولادة قط ما دامت لا تجد من يفك عسرة مخاضها.

# حكايات من بعضها

المأساة التي تعرضت لها زوجة المزارع (دفع الله) ليست نشازاً أو نادرة الحدوث، بل هي أصل حياة النساء في معظم ولايات السودان، فالنساء هناك يحتضرن ويفارقن الحياة بسبب تعسُّر الولادة لعدم وجود (داية) والمقصود (داية) الحبل المعروفة، وغالباً ما تفارق الأم الحياة أو طفلها على يد هؤلاء (الدايات) غير المدربات، وأي من الاحتمالين غير مستبعد حدوثه. وللحد من وفاة النساء أثناء الولادة تحركت جهات عديدة إقليمية ومحلية لتوفير الحد الأدنى من التدريب لـ (دايات الحبل) حتى يقللن من مخاطر الوفاة للأمهات أو الأطفال حديثي الولادة في المناطق الريفية البعيدة التي تبلغ فيها نسبة الوفيات أثناء الولادة معدلات مخيفة ومؤسفة بشدة.

# نهاية المأساة

عدد من الولايات بدأت مؤخراً وخلال العشرة أعوام الأخيرة لوضع حلول نهائية للوفاة أثناء الولادة، فكانت ولاية سنار صاحبة أول مبادرة حقيقية في تدريب وتأهيل القابلات لينبن مكان (داية الحبل) المعروفة في السابق، فأنشأت الولاية مدرستين للقابلات، كانت مدرسة القابلات بسنار قبل سنوات، وفي غضون الأسبوع الماضي افتتحت مدرسة قابلات ود العباس بمحلية شرق سنار، والمدرسة التي تم تأهيلها لتستوعب العشرات من الطالبات سنوياً، يتوقع لها أن تنهي معاناة النساء أثناء الولادة في أكثر من مائتين وستين قرية بالمحلية المذكورة بحسب (محمد علي مساعد) معتمد شرق سنار، الذي أوضح أن المدرسة تم تأهيلها بكافة احتياجاتها الأساسية والضرورية، وألحقت بها داخلية لسكن الطالبات حتى يتمكن من التحصيل الأكاديمي والتدريب بالصورة التي تمكنهن من القيام برسالتهن على أكمل وجه. ونسب (مساعد) تمويل وإنشاء المدرسة إلى المجهود الشعبي من أبناء المحلية في كافة المستويات حتى اكتمل المشروع بجانب الدعم الرسمي من المحلية ووزارة الصحة الولائية. وبافتتاح مدرسة القابلات تربعت محلية شرق سنار على حد وصف معتمدها (محمد علي مساعد) على قائمة المدن والمحليات التي ودعت نساؤها معاناة المخاض ووفيات الأطفال حديثي الولادة.

#التوظيف.. التزام لا رجعت فيه

لو انتهى خطاب (أحمد عباس) والي ولاية سنار أمام الحشد الجماهيري الذي تكبد المشاق لحضور افتتاح الصرح المهم بمحلية شرق سنار بتأكيده دعم المدرسة والعناية بها بتوفير متطلباتها، لامتلأ الجميع بالفرح حتى فاضت عيونهم بالدموع، ولكنه لم يكتف بهذا وزادهم كيل بعير عندما أعلن التزام الولاية بإيجاد وظائف لكل خريجات المدرسة فور تخرجهن حتى تصبح مدرسة القابلات جاذبة للطلاب.

اليوم التالي
خ.ي

[/JUSTIFY]
Exit mobile version