[JUSTIFY]عاد المهندس “الطيب مصطفى” للهجوم على من لا يسند دعوته ويشد من أزره على الورق بالتحريض على الحرب والزعم بأنها حرب من أجل العقيدة والعزة والكبرياء، وهو لا يعلم أنها حرب مخزية تهلك الأنفس التي حرمها الله إلا بالحق.. والنفس البشرية وصف مطلق غير مقيد بالدين والهوية.. و”الطيب مصطفى” شأنه والملايين من السودانيين يجهلون طبيعة الحرب في جبال النوبة كجهلهم بخصائص المجتمع هناك.. وللطيب مصطفى نروي بعضاً من أحداث قريبة وأخرى بعيدة ونسأله أي عزة وكبرياء وأي نصر للدين من هذه الحرب.. الواقعة الأولى شهودها قادة السلطة وزعماء الحركة الإسلامية الأستاذ “علي عثمان محمد طه” ومولانا “أحمد محمد هارون” والمهندس “إبراهيم محمود حامد” واللواء “الخواض” مدير مكتب “علي عثمان” حينذاك.. حينما زار الأستاذ “علي عثمان محمد طه” مدينة “كاودا” التي اتخذتها حكومة جنوب كردفان عاصمة ثانية بدلاً من “كادقلي” وشيدت أمانة للحكومة بها .. الزيارة بدأت صباح (الجمعة)..وعند حلول موعد صلاة (الجمعة) اتجه الوفد لأداء الصلاة في مسجد “كاودا” العتيق المشيد عام 1948م .. ظل صامداً في وجه الحرب والصواريخ ووابل قذائف الطائرات من 1984م وحتى 2005م .. ضاق المسجد بالمصلين .. وتراصت الصفوف خارج المسجد 90%) من المصلين يرتدون الملابس العسكرية من منسوبي الجيش الشعبي.. خطيب المسجد دعا “علي عثمان محمد طه” بالمساهمة في توسعة المسجد ودعم عدد (7) خلاوي تدرس القرآن في “كاودا” .. وحضور تخريج حفظة لكتاب الله .. يتلونه في الصباح والعشيات ويهتفون (ووياي). معتمد “كاودا” وهو أحد قادة التمرد سابقاً وحالياً العقيد “كمال النور” طالب شيخ “علي عثمان” بالاهتمام بأوضاع المسلمين في (الكراكير) و(الجقاب) وعلى رؤوس الجبال. تبرع “علي عثمان” بتشييد مسجد “كاودا” العتيق وتابع إجراءات المقاول بنفسه حتى نهض المسجد لتأتي الحرب وتهدم مدرسة البنات الثانوية وتحيلها إلى رماد تذروه الرياح، ولكن معجزة الله في الأرض أن المسجد لا يزال حتى اليوم صامداً وحماه ربه من قذائف الانتنوف.. فكيف أخي “الطيب” أخلاقياً ودينياً تبرير الحرب والدماء التي تسفح من إخوتنا في الحركة الشعبية هي دماء مسلمين، والدماء التي تسفح من هنا دماء مسلمين .. وتستكثر علينا الدعوة لإنقاذ أرواح أهلنا من حرب مهلكة لا منتصر فيها .. لكن الوطن مهزوم!!
حينما حاصرت قوات الدفاع الشعبي والمجاهدون الجبال الغربية لمحلية “الدلنج” عام 1994 مناطق “تلشي” و”تيما” و”الكمدة” .. كان المجاهدون يصغون في مساء (الخميس) لأصوات طار الصوفية ينبعث من أعالي الجبال الشاهقة، أما في “تيمين” فإن قوات المجاهدين تحاصره من كل الجهات، ولكن عند الصباح الباكر ينبعث صوت الأذان مجلجلاً يشق صمت الليل الرهيب (حي على الصلاة). وتساءل البعض كيف لنا قتل من يرفع الأذان في الصباح والمساء.. وهل نحن نخوض حرباً ضد من رفع راية لا إله إلا الله أم نخوض حرباً سياسية ضد إخوان لنا .. والقاتل منا والمقتول منهم في النار يوم لا ينفع حزب ولا قبيلة ولا عمارة!
بسبب الحرب أغلقت في جبال النوبة نحو خمسمائة مدرسة أساس ونحو مائة مدرسة ثانوية.. وأثمرت الحرب نزوحاً للمدن ولجوءاً لدول الجوار.. هل كلفت الأخ “الطيب” نفسك يوماً وجلست لبائعات الشاي في الخرطوم المحزونات البائسات، وسألتهن من أنى جئن وكيف وصلن الخرطوم، ستجد (90%) من بائعات الشاي والأطعمة والممتهنين للأعمال التي توصف بالهامشية هم أهلي من جبال النوبة.. مثلي أخي “الطيب” يده ورجله في النار ومثلك يده ورجله وبطنه ورأسه في الماء، أنا من أصبحت خالاتي وعماتي وبنات أهلي يمتهن بيع الشاي وصناعة الزلابية وأنت خالتك وبنات عماتك في ماليزيا ينعمن بالدنيا ونعيمها، ونحن نتلظى بجحيم الحرب حتى فرقت بين المرء وزوجه.. هل تعلم أن النساء اللاتي عدن من مناطق التمرد في رشاد (70%) منهن حملن من رجال لا يعرفونهم .. هل أحدثك أخي “الطيب مصطفى” عن ما فعله التمرد بخلاوي القادرية في “الموريب” و”طاسي”، وكيف أصبحت بقاع الصوفية هناك مرتعاً خصباً للتمرد!! بل أسألك لماذا تمردت المنطقة الشرقية وبعض أهلنا من تقلي بعد أن كانوا صمام أمان لوحدة السودان.
الحرب إذا استمرت ستمزق ما تبقى من السودان ولنا في حرب الجنوب عبرة لأولي الألباب، أما غيرهم فلا شأن لنا بهم على الأقل في جدل الحبر والقِرطاس والقلم.