والمعلم بكل مراحل التعليم المختلفة من الأساس أو المرحلة الابتدائية أو الأولية سابقاً والمرحلة الوسطى أو الثانوي العام أو المرحلة الثانوية حتى المرحلة الجامعية كل فئات التعليم في تلك المراحل لها سهم كبير في رفع شأن التلميذ، ولكن هذا المعلم الذي يكد ويجتهد ليخلق أجيالاً تنفع المجتمع في النهاية نجد أن رسالته قد وصلت، ولكن لم يقابل العطاء الذي قدمه بإحسان من الدولة التي تبوأ الوزراء والمسؤولون مراكزهم فيها بسبب هذا المعلم البسيط الذي يمشي حافياً.
الآن لا يجد من يقف إلى جانبه، ولو قابل وزير أو رئيس أو مسؤول أستاذه وهو في هذه السن يفتخر أن فلاناً هذا كان معلمه في تلك المرحلة بدون أي إضافات، فالمكانة الرفيعة التي وصلها هذا الوزير كانت بفضل هذا الأشعث الأغبر، ولكن الوزير أو الطبيب أو غيرهم ممن كان فضل المعلم عليهم، منهم من يحفظ لهذا المعلم قدره ومكانته ومنهم من يجحد فضله.
فإذا نظرنا إلى معلمي المراحل المختلفة وما يواجهه أساتذتها من بؤس فالأمر يختلف تماماً عن الأستاذ الجامعي الذي سهر الليالي وضعف نظره للحصول على تلك الدرجة الرفيعة من المعلم بغية أن يقدم ما ناله من علم لطلابه إن كانوا في مرحلة البكالوريوس أو الدراسات العليا ماجستير ودكتوراه.
لقد ذهلت مما سمعت من ألسنة البعض منهم فهم من درجات رفيعة وقامات عالية، ولكن عندما سمعت أن الدكتور الجامعي الذي يقف على رجليه الساعات الطوال في اليوم ليقدم خلاصة ما يملك من علم لطلابه لينال في النهاية نظير تلك الساعة التي يقفها شارحاً ومفسراً ومراجعاً وطالباً الاستناد إلى المرجع ينال هذا المبلغ الزهيد، ولن يصدق أحد ولم أصدق أنا لولا أنني استمعت من أفواه أولئك القامات العلمية الرفيعة، هل تصدقون كم يتقاضى الأستاذ الجامعي نظير تلك الساعة (عشرة جنيهات) عن المحاضرة الواحدة، وهناك جامعات تمنح (عشرين جنيهاً) وأخرى (ثلاثين) و(أربعين) و(سبعين) فإذا قدم الأستاذ الجامعي خمسين محاضرة في الشهر فلن يصل راتبه إلى المليون أو المليون ونصف، وهذا المبلغ الزهيد خسر الأستاذ عشرات الألوف قدره ليصل تلك المرتبة غير السهر والبحث عن المراجع، وأحياناً السفر إلى دولة أخرى للحصول على معلومات من مكتباتها.
فهل إذا قارنا بائع طماطم أو ليمون في السوق العربي بالأستاذ الجامعي هل يتساوون؟ أو بين أي فئة أخرى في المجتمع، بل إن فناني الغناء الذين يمتطون أفخر السيارات لا أظنهم قد أكملوا المرحلة الثانوية.
إن الحياة في السودان تسير بالمقلوب، فالعلماء وأساتذة الجامعات في قاع المدينة، بينما أصحاب المهن الوضيعة هم الآن في العلالي، فهل تلتفت الدولة إلى شريحة المعلمين بكل فئاتها من الأساس وحتى الأستاذ الجامعي؟
والمعلم في يوم من الأيام كان من أرقى طبقات المجتمع كانت الفتيات يغنين له:
(يا ماشي لباريس جيب لي معاك عريس شرطاً يكون لبيس من هيئة التدريس). أين المعلم الآن من الغناء الجميل.. فلماذا أصبح في قاعة المدينة ولماذا غاب عن أغاني البنات؟.
المجهر السياسي
خ.ي