لا أعلم من هو الذي أطلق على الفراش صفة (الحماقة)، لو كنت أعلم ذلك لأكدت له أن الفراش أقدم على الانتحار موتاً على اللهب، بعد أن اكتشف أن عطر البساتين أصبح يباع في الأسواق السوداء لمن يدفع أكثر، فاختار أن يموت منتحراً. أعتقد أن الفراش في هذه الحالة حمل بين جناحيه الخضراوين موقفاً عظيماً لمن لا كرامة له بين العابرين من رواد الغرف المخملية الدفء.
شهدت مدينة بورتسودان في يوم شتاء من الستينيات إعدام رجل أكد أنه بريء من جريمته، إلا أن ذلك لم يمنع القضاء من أن يصدر عليه حكماً بالشنق حتى الموت. أحد زملائه في السجن أكد أنه اعترف له قبل شنقه بساعات، بأنه سبق أن قتل نفساً في جريمة قبل أكثر من عشرين عاماً، إلا أنه خرج بريئاً منها لعدم كفاية الأدلة، وها هو الآن يحاكم على جريمة لم يرتكبها. يبدو أن هذا المجرم نسي أن عدالة الأرض لو أغمضت عيناً فإن عدالة السماء صاحية لا تنام.
حتى أنت (يا بروتس) كلمة نطق بها قيصر روما حين أغمد صديقه بروتس خنجراً في ظهره. بهذه المناسبة لقد لاحظت في الآونة الأخيرة أن الخناجر قد أصبحت تمارس حقاً مشاعاً لتطعن في أصدقاء هم لا يعلمون أنها قادمة من عند أصدقاء أصبح الواحد منهم إذا نظر إلى زهرة تمنى ذبولها، وإذا نظر إلى نجمة تمنى أفولها، وإذا نظر إلى ضمير أبيض تمنى أن يُعبأ بالسواد.
صحيفة التغيير
ت.أ