أمس . . وخلال متابعتي للنشرة المسائية لتلفزيون السودان، شاهدت عدداً من الوزراء وليس وزيراً واحداً، في نحو (4) اجتماعات مطولة ولا شك أنها باردة ومملة، ويتجلى ذلك في وجوههم المرهقة، وكلها في (يوم واحد)!!
اجتماع للجنة العليا لإصلاح الدولة (كلمة الإصلاح صارت عبارة ممجوجة من الحزب للحكومة)، الاجتماع برئاسة النائب الأول لرئيس الجمهورية الفريق أول “بكري حسن صالح” وبحضور نائب الرئيس “حسبو عبد الرحمن”. الاجتماع الثاني لقطاع التنمية الاجتماعية بمجلس الوزراء. الاجتماع الثالث للجنة تابعة لقطاع الخدمات شارك فيه وكلاء وزارات من بينهم وكيل الصحة “عصام عبد القادر”. الاجتماع الرابع خاص بوزارة مختلفة مثل لقاء لوزارة الاتصالات برئاسة الوزيرة “تهاني عبد الله”. هذا فضلاً عن جلسة البرلمان التي شارك فيها وزير الصحة “بحر أبو قردة” للرد على سؤال النائب “أحمد عبد الرحمن محمد” حول عدم تطبيق قانون التبغ. وهذا يعني أن جل يوم وزير الصحة كان مستغرقاً في المجلس الوطني عندما كان الوكيل مشغولاً في ذات الوقت باجتماعات قطاع بمجلس الوزراء!! ولا شك أن وزير الدولة في اجتماع ثالث أو رحلة خارجية – ليس هو تحديداً بل أي وزير – فمن يا ترى يدير هذه الوزارات؟! هذا المشهد يتكرر بصورة أو بأخرى يومياً وفي جميع الوزارات.
إذن . . متى (يزور) الوزراء مكاتبهم ليقضوا حوائج الناس وينجزوا أعمالاً، ويشرفوا على متابعات (ميدانية) ومقابلات منتجة ومثمرة من داخل الوزارة، إذا كانوا بهذا القدر من الاستهلاك لأوقاتهم وطاقاتهم في اجتماعات بالقصر الجمهوري أو مجلس الوزراء، دعك من اجتماعات قطاعات وأمانات حزب (المؤتمر الوطني) التي يرأس غالبها وزراء أو وزراء دولة!!
برصد نشاط الدولة اليومي من خلال الصحف ونشرات وكالة (سونا) والتلفزيون الرسمي، تلحظ دون اجتهاد أن (آفة) هذه الحكومة هي الاجتماعات الكثيفة للجان واللجان المتناسلة منها. وكلما أصدر الرئيس أو نائباه قرارات بتشكيل لجان (جديدة) عليا أو فرعية، تضم وزراء ووزراء دولة ووكلاء وزارات، فهذا يعني بالتأكيد اقتطاع زمن وطاقة إضافية من برامج هؤلاء المسؤولين أولى بها وزاراتهم وملفاتهم و(البوستة) المتكدسة على مكاتبهم.
ذكرت لكم من قبل في هذه المساحة أنني خاطبت اتحاد العمال عبر نائب رئيسه في شأن متعلق بلجنة ثلاثية مكونة من الاتحاد، وزارة العمل واتحاد أصحاب العمل، فجاءني الرد بعد (45) يوماً . . حدث هذا رغم أنني لاحقت الشخص المعني بعديد المكالمات!! طبعاً حتى هؤلاء الصغار يتمتعون بعضوية العديد من اللجان الحكومية والنقابية والحزبية ولجان العمل الصيفي . . إلخ . . والحال من بعضه!!
النموذج الأخير يكشف لك كيف تعمل الدولة المنهكة باجتماعات مطولة حتى الساعات الأولى من الصباح!! والخاسر الأول هو الدولة نفسها وشعبها . . والخاسر الثاني هو أسر وعائلات هؤلاء المسؤولين، والخاسر الثالث هم أنفسهم. . صحتهم البدنية والنفسية، ولذا لا يكاد يسلم مسؤول تنفيذي أو سياسي من أحد أمراض العصر (السكر، ضغط الدم، القلب . . .) . . نسأل الله لهم . . ولنا ولكم دوام الصحة والعافية.
و لكن كيف يا ربي . . يبدعون وينجحون ويرسمون الأمل على شفاه شعب يهاجر كل يوم بالآلاف، وما صور الصفوف والزحام حول السفارة القطرية بالخرطوم للتقديم لـ(4) وظائف بالجيش القطري، وارتفاع أسعار السلع وغلاء المعيشة المستمر، إلا أدلة دامغة على فشل (كل) اجتماعات (كل) القطاعات من الحكومة . . للحزب.
المجهر السياسي
[/JUSTIFY]