وطبعاً ليس من صالح ابناء القبيلة والاجيال القادمة أن يترك كل امر مرتبط بتعويض او مصلحة للافراد والمجموعات بمنأى ومعزل عن الأمراء. لأن هذا يعني عدة أشياء على رأسها مخالفة الشريعة الإسلامية في التعامل مع استرداد الحقوق، والقوم طبعاً مسلمون، وليس فيهم ولا واحد غير مسلم.. فهل هذا الاقتتال يرضي الله؟!
إن الرسول صلى الله عليه وسلم يقول: «إذا التقى مسلمان بسيفيهما فالقاتل والمقتول في النار»..
قالوا: هذا القاتل فما بال المقتول؟!.. قال صلى الله عليه وسلم :«كان حريصاً على قتل أخيه». إذن المقصود هنا من كان يقاتل فيقتل، وليس من يتعرض للقتل دون نية فيه. وطبعاً كسب الآخرة أولى من كسب الدنيا الفانية التي يورّث فيها الناس أموالهم للأسرة والعائلة. «بل تؤثرون الحياة الدنيا والآخرة خير وأبقى» صدق الله العظيم. إن الأموال مهما كثرت فلن تزيد أيام العمر.. إن العمر لا يمكن أن يكون سلعة تباع وتشترى، وها هو الشاعر اسماعيل حسن قبل أن يرحل من الدنيا كتب ما تغني به الراحل ايضاً محمد وردي
كفى يا قلبي أنسى الفات وعيش من تاني وحداني
لو حنيت لعهد الشوق أجيب من وين عمر تاني
والشيء الثاني الذي يعنيه تبني افراد فروع القبيلة مسألة التعويض دون الرجوع للامراء، هو إلغاء دور الادارة الأهلية التي تمثل في كثير من القضايا تقصير الظل للسيادة الوطنية.
نحن نعلم سر هذه المشكلة التي أزهقت بسببها من الجانبين ارواح إخوة في الدين والوطن اعزاء تحتاج اليهم البلاد ويحتاج إليهم ابناؤهم وحفدتهم مستقبلاً ايضاً.. فهم فراس أبناء فراس وآباء فراس، ولا يمكن أن تترك الأوضاع فيما بينهم تصب كلما اشرقت شمس يوم جديد لصالح القوى الأجنبية وأدواتهم من المتمردين. واللافت إلى الأنظار بقوة والمثير ايضاً للدهشة هو حضور وفد دينكا نقوك باعتبارهم ضمن سكان ولاية غرب كردفان، فقد حضر مع وفود الحمر والشويحات والحوازمة. إذن كل هذا يوحي بقوة بأن سكان الولاية من مختلف قبائلهم حتى مجموعة دينكا نقوك التي هاجرت من جزيرة الزراف باقليم اعالي النيل إلى منطقة المسيرية في كردفان تتعايش سلمياً، باستثناء أبنائها الملتحقين بالحركة الشعبية، فهم مثل عرمان والحلو وعقار يستفيدون من مثل هذه النزاعات، لأنها تصب في اتجاه اضعاف قدرات الدفاع الوطني.. وبالتالي ينفتح لهم الطريق للانتقال من «كاودا» إلى غيرها.
لكن هل مشكلة المسيرية هناك فقط بين أفراد من فرعين؟! كلا.. هناك مشكلة لم تنفجر بعد تنظر التأثير السلبي على البيئة الرعوية والزراعية بسبب عملية استخراج النفط، لهذا كانت المطالبة في مؤتمر الصلح بمدينة النهود بإنشاء عشرين دونكي وعشرين حفيراً، للاستغناء عن التنقل والتجوال.
إن غياب التنمية الريفية بالمفهوم العصري تبقى من أهم أسباب نسف الاستقرار بين ابناء القبيلة الواحدة. واذا كان عائد النفط يسهم بالنصيب الأكبر في انعاش التنمية الريفية، فإن هناك مرحلة لا يمكن تجاوزها قبل استخراجه، وهي رصد ميزانية ضمن تكلفة الإنتاج للتعويض الجماعي غير المباشر. أي بتشييد مدن سكنية أو قرى على طريقة قرى حلفا الجديدة بعد التهجير. نعم الأمر يتطلب ميزانية ضخمة، لكن بحماية المال العام تماماً واستقطاب الاستثمار من الخارج يمكن أن تتم عملية استخراج النفط في أية منطقة في الوطن، دون أن تكون لذلك آثار جانبية وخسائر ملازمة.. الحل إذن يكون بتناول المشكلة من الجذور.
صحيفة الإنتباهة
ت.أ