الطيب مصطفى: بين عجائب عرمان والحكم الذاتي!!

استمعت صباح أمس إلى عرمان من خلال إحدى الإذاعات التي تبث من الخارج، ولن أبالغ إن قلت إنني شعرت بالغثيان، فقد كان عرمان هو ذات عرمان الذي خبرته قبل سنين.. ذات التهريج وذات الطفولة السياسية التي ميزت الرجل منذ أن دخل المعترك السياسي منذ شبابه الباكر.

لماذا لا أشعر بالغثيان وقد شعر به مسؤول إدارة السلام بالاتحاد الافريقي توماس بيلر الذي قال لوكالة اوقادين نيوز الاثيوبية حول تصريح عرمان بشأن الحكم الذاتي للمنطقتين (أنه يمثل تصعيداً إعلامياً سالباً للروح التي سادت المفاوضات مؤخراً ومحاولة غير مفيدة لخلق تشويش على سير عمل آلية أمبيكي) قاطعا بأن محور المشورة الشعبية المتفق عليه لا يمكن استبداله بالحكم الذاتي.

إذاً فأن عرمان يشعر حتى الوسطاء الأجانب بالامتعاض فما بالك بنا نحن أبناء جلدته الذين ظل يخرب ويدمر ويقتل ويشعل الحرائق في وطنهم المبتلى به وبأمثاله؟!

لكن قبل أن أعود إلى عرمان، أود أن أقول مناصحاً الرئيس البشير، ما قلته من قبل إن الكرة بمرماه، وليس بمرمى غيره. فهو الذي يستطيع أن يجمع الأمة على كلمة سواء ويزيل الاحتقان الذي يستغله عرمان وأمثاله ممن يلعبون على تناقضات المشهد السياسي، بدءاً من الإمام الصادق المهدي الذي خرج من السودان مغاضباً بعد أن كان مسالماً بسبب اعتقال غير مبرر، تعرّض له، إلى الحركات المسلحة التي أعلن بعض قادتها أنهم جاهزون للانخراط في الحوار، مروراً بآخرين كثر ارتضوا الحوار ولا يزالون منكبين في قاعاته يبحثون عما يجمع كلمة الأمة.. كل هؤلاء ينتظرون موقفاً إيجابياً حاسماً من الرئيس، حتى تنطلق هذه البلاد نحو السلام والاستقرار.

بدون ذلك سيجد كثيرون يتربصون بهذه البلاد الدوائر من أمثال عرمان وغيره من القوى المعادية، الفرصة للعمل من خلال الاحتقان السياسي الذي تشهده البلاد للنيل من هذا الوطن المأزوم، الأمر الذي يدعوني إلى مخاطبة الرئيس مجدداً : أن أقدم أيها الرئيس إني لك من الناصحين، ولا تضيع الفرصة على نفسك وعلى بلادك التي تتقلب في سعير الأزمات.

أقول معقّباً على التصريح الذي فاجأ به عرمان الساحة السياسية مؤخراً حول مطالبته بالحكم الذاتي للمنطقتين (جنوب كردفان والنيل الأزرق).. إنه عرمان الذي لا تنقضي عجائبه، فقد دخل الرجل التاريخ من أوسع أبوابه ولكن أي تاريخ ذلك الذي سطر الرجل فيه اسمه؟ سأجيب لكن بعد قليل!.

كتب الكثيرون عن شخصية عرمان ووصفوه بأنه لا يزال قابعاً في مرحلة أركان النقاش لم يغادرها منذ أن هرب من السودان وجامعة القاهرة فرع الخرطوم في منتصف ثمانينات القرن الماضي، فالرجل في تقويم هؤلاء لم يتطور، لكني أقول إن الأمر أكبر وأفظع من ذلك!.

عرمان أيها الناس بتصريحه هذا يعكس أنه أسير طفولة سياسية تطغى على شخصيته المحبة للأضواء والباحثة عن الشهرة بأي ثمن.

غضبة عبد الواحد محمد نور رفيقه في الجبهة الثورية على تصريحه الطفولي، تكشف مقدار الاستفزاز الذي يمارسه عرمان حتى على أقرب الأقربين إليه ممن يصبرون على نزقه وتصرفاته الصبيانية، الأمر الذي يفضح تهافت الرجل وضعف قدراته السياسية وإلا فقولوا لي كيف يجوز لعرمان أن يقرر بمفرده في تجاهل تام لمؤسسات حزبه (قطاع الشمال) ولحلفائه في الجبهة الثورية.. يقرر في شأن خطير كهذا يستحق أن تدعى له أكبر مؤسساته التنظيمية، مثل المؤتمر العام أو غيره؟!! عرمان ويا للعجب، لم يكلف نفسه عناء عرض الأمر على أدنى الأجهزة التنظيمية مثل المكتب السياسي لقطاع الشمال ليجيز توجهاته السياسية الجديدة.

عبارة الحكم الذاتي هذه لم ترد في أوراق قطاع الشمال التي قدمت للوسيط الأفريقي، ولم يسمع بها أحد إلى أن انفضت المفاوضات، لكنه فاجأ بها الناس بعد ذلك من خلال تصريح لهيئة الإذاعة البريطانية، فهل بربكم من عاقل يفعل ذلك؟!.

والله إني لمندهش أن تبلغ الجرأة والوقاحة بعرمان هذه الدرجة.. ذلك أنه يعلم علم اليقين أنه لا يمتُّ بأدنى صلة لولايتي جنوب كردفان والنيل الأزرق، وإذا سلمنا جدلاً بأنه يتحدث ويفاوض بالنيابة عن قطاع الشمال الذي ارتكب خطأ سياسياً فادحاً حين استفز جماهير المنطقتين واختار عرمان ليفاوض عنهما بدلاً من أن يعهد بالأمر إلى عقار أو عبد العزيز الحلو اللذين ينحدران من تلكم المنطقتين، بالرغم من شكوك تحيط بعلاقة الحلو بمنطقة جبال النوبة.. إذا سلمنا بأن عرمان يتفاوض بالإنابة عن قطاع الشمال، أليس من الوقاحة أن يفتي في أمر كهذا ويقرر بشأن المنطقتين بدون أن يحصل على تفويض من جماهيرهما؟!.

الطيب مصطفى- الصيحة
نواصل

Exit mobile version