العمة السودانية .. ثقافة في طريقها للاندثار

المتأمل في الشارع السوداني الآن يلاحظ أن ثقافة لبس العمة السودانية تكاد تندثر بين الشباب مقارنة بما مضى، فمن النادر جداً أن ترى شاباً سودانياً يلبس العمة السودانية، وحتى إذا قام بلبسها، فإن الأمر لا يعدو كونه مشاركة في مناسبة اجتماعية .. أو ثقافية من باب الوجاهات ليس إلا، بينما كان الشعب السوداني سابقاً يلبس العمة وهي أحد الأجزاء الأساسية لاكتمال الملبس حتى وهو في سن الخامسة عشر، الآن ارتبطت العمة بالجلابة وأصحاب رؤوس الأموال . وبعض الذين يحفظون ذلك الزمن الجميل في دواخلهم .. ولكن كيف دخلت العمة إلى السودان؟ .. ارتبطت العمة أساساً بالعرب في شبه الجزيرة العربية لأنهم كانوا يستخدمونها غطاءً للرأس، وكانوا يطلقون عليها تاج العرب، ولعل أثر الهجرات العربية إلى السودان كان واضحاً.
حيث انتقلت ثقافة العمة إلى البلاد منذ أول هجرة إلى هذه الأرض .
تصنيف العمامة
وبإتساع هذه البلاد تتسع أيضاً طريقة لبس العمة السودانية وطولها وشكلها، فالحجم المعروف للعمائم السودانية، لدى أهل الشمال والوسط يتراوح ما بين أربعة أمتار ونصف إلى خمسة أمتار. أما عمامة السادة الأشراف من آل الميرغني وآل المهدي. فهي صغيرة الحجم ويشدون لفها على الرأس، وتتشابه عمامة السيد علي الميرغني والسيد عبد الرحمن المهدي إلى حد كبير، أما كبار السن ففي الغالب يميلون إلى تشديد اللف قليلاً على الرأس، وإن لم يكن بنفس قوة شد عمائم الزعماء السابقين التي ذكرناها، بينما يميل الشبان إلى إرخائها. و نجد أن أتباع كياني الختمية والأنصار أميل إلى الاقتداء بزعمائهم في طريقة لف العمائم، بينما نجد في التيارات الفكرية والسياسية الأخرى، تنوع في طريقة لبس العمامة ، فنجد ـ مثلاً ـ السيد حسن الترابي زعيم تيار الإسلاميين في السودان، ورئيس حزب المؤتمر الشعبي، يشدد لف العمامة ، بينما نجد الإعلامي والسياسي الناشط ، في نفس الحزب، السيد حسين خوجلي، يبالغ في إرخائها وحجمها.
قادة الرأي العام بالعمة
ربما كان الزعيم الصادق المهدي هو أول سياسي بارز يظهر بالعمة وهو يلبس الزي التقليدي للأنصار في ستينات القرن المنصرم، حيث لم يكن الرؤساء السودانيين يظهرون بالعمة في المشهد العام إلا ببدلاتهم الأفرنجية أو لباسهم العسكري، بعد ذلك بدأ السياسيون يظهرون بالعمامة في الزي الرسمي انطلاقاً من الرئيس جعفر نميري، وقد حملت العملة السودانية صورته بالعمامة، حتى صارت كنية الجنيه السوداني (أبو عمة). . و قد استبدلت هذه العملة عقب إطاحة الانتفاضة الشعبية في 1985م، بنظام مايو حيث كانت الهتافات في المسيرات والمظاهرات أثناء الانتفاضة (أب عمة دا شرطوه)، وتمزيق المتظاهرين للعملة، التي حملت صورة النميري، وقد دخلت العمة حتى إلى التلفزيون، حيث كانت نشرة الأخبار الرئيسة تقدم بالزي القومي والعمامة جزء أصيل فيه . أما من الفنانين فلعل الفنان كمال ترباس هو الوحيد الذي يلبس العمامة ويظهر بها دائماً . في الوسط الصحفي إضافة إلى الأستاذ حسين خوجلي هناك الطيب مصطفى رئيس مجلس إدارة صحيفة (الصيحة) حيث لا يظهر في عموده الراتب (زفرات حري) إلا بالعمامة، وكذلك الأستاذ الصادق الرزيقي في عموده (أما قبل).
كانت العمامة في السابق تصنع من الخامات القطنية الخفيفة (الكِرَب) وهو أبيض اللون. ولكن بظهور الخامات المستوردة استبدلت الخامة السابقة بأخرى أكثر شفافية تعرف بالتوتال والذي كان يستورد من إنجلترا، وقد ارتبطت تلك الخامة بذوي الدخل العالي نسبة لارتفاع ثمنها الأمر الذي جعل البعض يستعيض عنها بخامة تشابهها ولكنها صناعية وهي خامة التترون .

عطاف عبد الوهاب- التيار

Exit mobile version