بعد رحيل الخليفة آل ملف التفاوض في دارفور للدكتور غازي صلاح الدين العتباني، والذي شهد حالة التحول من أفريقيا إلى الدول العربية لتصبح الدوحة بديلاً لأبوجا، ومن ثم السيسي بديلاً لمناوي. لكن المشهد لا يبدو في عملية التحول من منطقة إلى أخرى، بل ظل رهيناً بالتحولات داخل منظومة الوطني نفسه ورؤى أفراده لعملية سريان الأحداث والتعامل معها، فالعتباني لم يطب له المقام في مسؤولية الملف الدارفوري وغادره، لكن الطبيب لم يطب له المقام حتى في الحزب الذي منحه الاختصاص، فغادر الحزب أيضاً في موسم ما بعد ارتفاع نبرات الأصوات المنادية بالإصلاح والتغيير مكوناً بمعية (إخوة الأمس) ما أطلق عليه حزب حركة الإصلاح الآن الخارج من ضلع المؤتمر الوطني.
بعد العتباني كان بقائمة المسؤولين في البحث عن سلام بدارفور القيادي أمين حسن عمر والذي واصل ما بدأه العتباني بعد أن آلت إليه الأمور، ومضى في رحلات مكوكية بين الخرطوم والدوحة بغية الوصول إلى نهاية للأزمة التي استطالت أيامها دون أن تجد لها نهاية، واكتفى الجميع بمسكنات التوقيعات الأصلية أو توقيعات من يلتحقون بوثيقة الدوحة، باعتبارها آخر المحطات وأن لا محطة بعدها يمكن الوقوف فيها، فمن شاء فليلحق بالقاطرة ومن أبى عليه أن يدفع فاتورة امتناعه أو هكذا بدأ حسن عمر طريقه في المرحلة التي شهدت تناسل الحركات وتكاثرها، ففي كل يومين كان هناك خبرا عن توقيع مع أحد القادة الميدانيين الملتحقين بركب السلام ووثيقة الدوحة، وهو نهج اختطه أمين من أجل إضعاف الحركات الرافضة للدخول في السلام والاتجاه نحو الاستقرار. لكن بحسب وقائع بعد ما جرى فإن الواقع ظل على حاله وبدت العملية كأنها لعبة (القط والفأر) البعض يوقع وبعد قليل يعود إلى ذات ميدان قتاله الأول في انتظار فرصة جديدة للتوقيع والحصول على ميزاته المادية والمعنوية. ظل الملف في عهدة أمين بين الصعود والهبوط مع سكون نسبي طوال الأيام الفائتة قبل تدشين ما عرف بالمسار الثاني للمفاوضات الذي يتناول قضايا دارفور، بجانب تناوله قضايا المنطقتين في أديس وبرعاية أمبيكي.
لكن أمين وكسلفه العتباني لم ينج من داء الدعوات للإصلاح التي انطلقت من داخل أروقة الوطني، وبدا صوته عالياً إبان انعقاد المؤتمر العام الأخير لحزبه. حيث أعلن اعتراض الحزب ورئيس الجمهورية المشير عمر البشير ولم يتوقف عند الرفض، بل أشار إلى ما أسماه بوقائع الضغط التي مورست على الأعضاء من أجل إنجاز عملية التجديد، معلناً في الوقت نفسه دعوته للإصلاح المتجاوز للشخوص والمحافظ على الكيان. أمين الذي وجد نفسه خارج المجلس القيادي للحزب عقب الانتخابات الأخيرة، أرجع البعض الخطوة لمواقفه الأخيرة ولم يشأ أن يخطو خطوة أخرى في مساراته السياسية، وأكد التزامه بموجهات الحزب والقتال في صفوفه وبين عضويته.
لكن بين غازي الإصلاحي تحت ألوية حزبه الجديد وأمين داعية الإصلاح من داخل ردهات الوطني وتشعباته، تقف قضية التفاوض وملفاتها في دارفور شاهداً على الأمر وكأنها تقول إن الفشل في إنجاز سلام يفتح الأبواب نحو الدعوة للإصلاح وربما المغادرة، لكن الإصلاح المنتظر يبقى هو ذلك السلام المنشود في الأراضي التي تحرقها حروب اللا جدوى.
الزين عثمان: صحيفة اليوم التالي
ي.ع