مضينا وفي البال خبر راج في الإعلام الغربي مصدره بيان أصدرته حركة جيش تحرير السودان إتُهم فيه الجيش السوداني باغتصاب “200” امرأة من القرية في عملية اغتصاب جماعي منظمة تمت بالتعليمات العسكرية.
وطوال الطريق إلى “تابت” نرسم في مخيلتنا صورة استقبالنا في القرية ونحن آتون للاستقصاء عن نساء انتهك شرفهن في وسائل الإعلام.
ساعتان ونصف الساعة قضتها السيارة التي تقلنا وبعضنا يتحدث من حين إلى آخر عن الخبر والكذب الذي تم تلفيقه ضد “الجيش السوداني”، وكانت الدهشة حينما وصلنا القرية فخرجت نساؤها لملاقاتنا وكان الخبر سبق وصولنا “تابت”.
كانت أمامي نصرة عبد الله وهي فتاة يقل عمرها عن العشرين، سألتها مباشرة عن ملابسات الحادث وفي بالي العديد من الروايات ولكنها نفت بشكل قاطع أن تكون هي أو أي من معارفها قد تعرضن للاغتصاب. ذرفت نصرة دموعاً عزيزة والكلمات تتقطع في حلقها بالغبن حينما قالت “بعد كده ما بقدر أقول أنا من تابت” وأضافت “كيف يصدق الآخرون أن شرفنا لم ينتهك”، وقبل أن تشيح نصرة بوجهها بعيداً وتطلب الانصراف، تركت خلفها حسرتها لسان حال فتيات تابت.
إلا أن سارة الدومة كانت أكثر تماسكاً في حديثها وهي تردد الآية الكريمة ” إِنَّ الَّذِينَ يَرْمُونَ الْمُحْصَنَاتِ الْغَافِلَاتِ الْمُؤْمِنَاتِ لُعِنُوا فِي الدُّنْيَا وَالْآَخِرَةِ وَلَهُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ ” ومن ثم قالت “خليناهم لله من لوثوا شرف نساء تابت” وواصلت بشيء من الثبات سردها لملابسات القضية وقالت إن الجيش السوداني ظل يخالطهم في كل المناسبات ويحمي القرية منذ أن بسط سيطرته عليها في العام 2007م، وأكدت إن الجيش كان السبب في عودة مواطني القرية الذين نزحوا إلى المعسكرات عندما دخلتها الحركات المسلحة في عام 2004م
أميمة محمدين اختصرت كلامها في جملة واحدة قالتها ومضت “ده كلام شين والله نموت ما نرضي بيه”.
رجال تابت كانوا أكثر تأثرًا من نسائها، حينما تفشى الخبر بينهم كما النار في الهشيم في سوق الجمعة ومن ثم سارعوا لتناوله في خطبة الجمعة وطالبوا بضرورة تقصي مصدر الخبر وأكدوا أن الواقع يكذب المعلومة التي زعمت حادثة الاغتصاب وأنه تم تحت أنظارهم.
وقال عمدة القرية ومعتمدها عبد الوهاب عبد الله عبد الرحمن إن رجال القرية ما كان لهم أن يظلوا على قيد الحياة وهم يرون أعراضهم تنتهك أمام أعينهم وأضاف: “ياتو راجل ده البشوف بتو تغتصب قدامو ويسكت”.
أربع من الفتيات تحدثن بأنهن زوجات لرجال يعملون في الجيش وقلن ” أصبحنا بين شقي الرحى” فالاتهام يطالهن وأزواجهن، ومن ثم قطعن بعدم وجود أي حالة اغتصاب وبرأن أزواجهن.
ربما من يسمع عن قرية تابت يتصور أن المنطقة يسهل بسط السيطرة عليها ولكن من يراها يعرف أن اتساع القرية وتفرق منازلها في الكثبان الرملية، يصعب معها جمع 200 امرأة دون أن تكون هناك مقاومة منهن ومن يزور تابت يتأكد بشكل قاطع بعدم مصداقية خبر الاغتصاب.
تابت: محجوب عثمان- الصيحة