لم أندهش من وضع الحركة الشعبية لبند الحكم الذاتي لمنطقتي النيل الأزرق وجنوب كردفان محور أساسي للتفاوض في هذه الجولة.. هل تذكرون اتفاق نيفاشا الموقع بين الحكومة والحركة الشعبية الأم في مارس 2005.. رئيس الحركة الشعبية الراحل جنون قرنق والذى يفهم عقلية ومنهج الإسلاميين أو تحديداً حكومة المؤتمر الوطني.. وضع بذكاء بند تقرير المصير بين بنود الاتفاق الموقع عليها، بل معظم البنود الأخرى أسست للانفصال في حينها.. على الرغم من أن قرنق كان يطمح الوصول الى حكم السودان وليس فصل الجنوب.. ولكن وضع هذا البند ليحمي به ظهر الحركة في حال فشل مخططه في حكم السودان.. بالفعل استطاع هذا البند (حق تقرير المصير) أن يشكل حماية كبيرة للحركة بعد رحيله.. بعد مشاركة الحركة الشعبية الحزب الحاكم في الحكومة وتوزيع السلطة والثروة عانت الحركة الشعبية أشد المعاناة في تنفيذ هذين البندين وبالتحديد السلطة.. فقد وجدت الحركة الشعبية نفسها مشارك (صوري) في الحكم ومحاصرة حصاراً لا تستطيع معه تحقيق أي طموح أو على الأقل مشاركة حقيقية تستطيع عبرها إحداث تغيير فيما يحدث أمامها.. فلجأت الى درع الحماية الذي وضعه قائدها الراحل “المطالبة بحق تقرير المصير”، ونجحت في تكوين دولة مستقلة بعيداً عن حكومة المؤتمر الوطني.. الآن الحركة الشعبية الابن الذي يعي الدرس لا يريد إضاعة الوقت في تفاصيل المشاركة في حكم لن يطوله وإن وقع الاتفاق وتم التنفيذ.. فلجأت الحركة الشعبية هذه المرة للمطالبة بالحكم الذاتي وفصل جنوب السودان الجديد منذ البداية.. بيد أن المؤتمر الوطني يكابد الآن (الأمرين).. مشاركة في الحكم لا ولن يقبلها.. الموافقة على فصل المنطقتين هذا ما لن يجازف به مرة أخرى وهو يحاكم حتى الآن من قبل الأجهزة الرقابية ومن الرأي العام على فصل الجنوب..!!
أرأيتم كيف أن الطرفين التقارب بينهما شبه مستحيل.. فكل طرف (مفتح).. أكثر من الآخر.. وفي نهاية الأمر الطرفان يتاجران بالوطن والشعب في سبيل السلطة والثروة.. صدقوني لا أحد منهما يريد مصلحة الوطن، ونحن نضيع زمننا في متابعة هذه المفاوضات التي تخصم كثيراً من مشروع إنقاذ الوطن.. فلو كرست أجهزة الإعلام زمنها الكبير الذي تضيعه في تغطية هذه المفاوضات في اتجاه آخر.. اتجاه يستهدف الشعب في إيجاد حل (شعبي) لإنقاذ الوطن لكنا قد قطعنا نصف الطريق الى الحل.. قلتها قبل ذلك وأقولها مرة أخرى.. اتركوا الطرفين يتقاتلان على السلطة في أديس ودعونا نحن شعب السودان مالك هذا الوطن نضع الخطط ونجهز أنفسنا لنحكم نحن الوطن.. شباب مصر استطاعوا كسر القيد وإحداث التغيير.. صحيح إنهم لم يستطيعوا المحافظة على كسبهم و(تركوها للسيسي).. ولكننا سنفعل سنحدث التغيير ولن نترك حكومة أخرى تتجاوز الدستور وتتعدى على أملاك الشعب.. وإذا أراد عرمان وعقار حكم هذه البلاد فليأتونا بالباب نناضل لفرض انتخابات حقيقية ومن يختاره الشعب يحكم تحت رقابته.. ومن يرفضه الشعب يحسن وضعه ويقدم شهادة وطنية حقيقة في الانتخابات التي تليها.. المهم أن نتحرك..
صحيفة الجريدة
ت.أ