عمل الفريق “عبود” بالأشغال العسكرية وانضم إلى قوات الدفاع السوداني وترقى إلى منصب القائد العام في عام 1954م، وبعد أربع سنوات من توليه منصب القائد العام قاد الانقلاب العسكري الذي يعد أول انقلاب عسكري في السودان وعرف بانقلاب 17 نوفمبر 1958م.
قال الفريق “عبود” في بيانه الأول الذي أذيع عبر إذاعة (أم درمان) محيياً جماهير الشعب السوداني وقال: (تعلمون تماماً ما وصلت إليه حالة البلاد من سوء وفوضى وامتدت الفوضى والفساد إلى أجهزة الدولة والمرافق العامة بدون استثناء). الفريق أرجع في بيانه الأول سوء حالة البلاد أيضاً إلى الأزمات السياسية بين الأحزاب والجري وراء كرسي السلطة، الفريق “عبود” قال: (لقد شكا كل فرد من أفراد الشعب من تدهور الحالة المعيشية وكادت البلاد تتردي في هاوية سحيقة.. لذا فإن القوات المسلحة قد استولت على السلطة ونسعى لإسعاد الشعب ورفاهيته وأطلب من المواطنين السكينة؛ المزارع في حقله والتاجر في متجره)، وقال: (نحن نأمر بالآتي حل جميع الأحزاب السياسية، منع التجمعات والمواكب والمظاهرات ووقف جميع الصحف إلى أن يأمر بذلك وزير الداخلية).
17 نوفمبر كان أول انقلاب عسكري على النظام الديمقراطي الذي حل بعد الاستقلال وكان الزعيم “إسماعيل الأزهري” رئيس الحكومة.
ظل حكم “عبود” لست سنوات أنجزت من خلالها العديد من المشاريع مثل مصانع الأسمنت ومصانع السكر والطرق.. طريق المعونة والكثير من المشاريع ولكنها غابت عن جيل اليوم الذي لم يعرف عن تلك الثورة شيئاً.
فالسودان كان أول من ابتدع الربيع العربي بين شعوب المنطقة، فإذا كان نظام “عبود” انقلب على النظام الديمقراطي فقد اقتلع بعد ست سنوات من الحكم عبر انتفاضة شعبية عام 1964م، فالشعب السوداني ملول على الأنظمة التي تحكمه، ويقال إن زيادة سعر الكبريت كانت سبباً في تغيير نظام حكم كامل.. فثورة نوفمبر لم يتحدث عنها ولم تجد حظها من التوثيق كما لقي النظام المايوي الذي جاء أيضاً بانقلاب عسكري على النظام الديمقراطي في 1969م، ولكن مايو التي حكمت البلاد لمدة ستة عشر عاماً وجدت تضامناً كبيراً من المواطنين وتحققت عبرها العديد من المشاريع التنموية مثل مصانع السكر والطرق والمستشفيات، وكان أيام مايو الأولى من أفضل سنين الحكم التي عاشتها تلك الثورة، ولكن دائماً العسكر حينما يحاولون إشراك المدنيين في الحكم ينقلب الحال إلى الأسوأ، فتردى النظام المايوي وكثرت الإضرابات والانقلابات العسكرية المعلنة والتي أخمدت في حينها.. ولكن ثورة 17 نوفمبر غابت معلومات كثيرة عنها وحتى أبناء الفريق “عبود” الدكتور “عمر” وشقيقه “محمد” لم يظهرا للإعلام ولم يتحدث أحد عن الانقلاب ولا عن والدهم، فأصبحت الكثير من المعلومات حبيسة لديهم ولدى الجيل السابق الذي عاش تفاصيل تلك الأحداث، فنأمل أن يخرج من يرويها لجيل اليوم للاستفادة منها إيجاباً أو سلباً.
المجهر السياسي
خ.ي