لم أشعر الا وانني قد (لفحت) التوب وخرجت معها احاول ان الحق خطواتها فقد كانت تجري امامي . هناك ..كانت البنت تتلوى من المغص ..اعطيتها حقنة مهدئة للألم وجلست معهن قليلا حتى اطمان عليها كانت الأم قد جهزت لي شايا واتت به وهي تعتذر قائلة (معليش يا دكتورة ازعجناك في نص الليل وانت شغالة بكرة الصباح ..لكن اعمل شنو ..البت بقت تتلوى كدي ..وجارتنا البتضرب ليها الحقنة كل مرة … الليلة شغالة في المستشفى نبطشية وانا ما بعرف ..اتذكرتك وجيتك جارية ..اعفي لي عليك الله)..
قلت لها (ما في مشكلة ..الجيران لي بعضهم زي ما بقولوا ..لكن بتك دي بجيها المغص الكلوي دا طوالي ؟ لمان تكونوا جاهزين بحقن المسكنات؟؟)…قالت لي بعد تردد (البت ما عندها مغص كلوي ..عندها مغص الدورة الشهرية )…الى هذا الحد من الألم؟؟ حتى تختلط على الألام؟؟؟؟ قلت لها (معقولة؟؟ ليه أصلو ؟ اكيد مختونة فرعوني ) ..قالت لي بحسرة ( نسوي شنو في الختان ..نحن في بلدنا هناك لابد منو ..نتعب كدي لمان الواحدة تتزوج وتلد ليها بطن بطنين ..بعد داك ترتاح)…
حقيقة لم اكن اعتقد بان هناك من يمارس الختان الفرعوني حتى وقتنا هذا ..بعد كل هذه الحملات التوعوية وكل هذه الخطوات التي اتخذتها تجمعات وجمعيات رسمية وطوعية ضد ختان الاناث ..لاتزال الكثير من فتيات بلادي يعانين من هذا الموروث البشع. قلت لها (انت مادام عانيتي من الموضوع دا ..رضيتي لي بناتك ليه؟) ..قالت لي بلهجة المغلوب على امره (كيفن يعني ..اشرد بيهن؟ ما قاعدين وسط الحلة وكان ما بقن كدي برجوعهن لي)..
في تلك اللحظة احسست بفداحة المشكلة وتغلغلها في داخل المجتمع …كل ما نفعله ونقوله يضيع هباء و (يروح شمار في مرقة). نهار الامس كنت في لقاء اذاعي يختص بالقضايا التي تتبناها جمعية مناصرة الطفولة ..سألتني المذيعة في رأيئ عن المقولة التي تتحدث ان الختان لابد منه لضمان عفة الفتاة ..فاجبتها (هل منع ذلك الختان كل الذي يحدث من الرذيلة؟ اذن لماذا تكتظ دار المايقوما بالأطفال مجهولي الأبوين وفاقدي السند ؟)…
عفة الفتاة تاتي بالتربية السليمة وغرز القيم والأخلاق الرفيعة ولا يتاتى بتغيير خلق الله فيها ..اني لا أستغرب الحملات الدينية والمحاضرات التي تنظم لمحاربة ازالة الشعر من الحاجبين واعتباره تغيير لخلق الله ..ثم يلوذ أؤلئك انفسهم بالصمت امام الختان وادعاء انه سنة.
طيب ان كان سنة فعلا اليس غريبا اننا فقط من يطبق هذه السنة دون المسلمين في كل بقاع الأرض ؟؟..نحن نشترك في تطبيقها مع مواطني شرق أفريقيا ..فأعلى نسبة للختان الفرعوني تتم ممارسته في ارتيريا واثيوبيا والسودان.
الشئ الاعجب ان الرجال في السودان وهم اولي الامر والنهي يقفون بعيدا عن هذا الأمر وكأنه لايعنيهم ويتركونه شأنا نسائيا خاصا ولكن عند المحك يهمس لاخته او والدته عند اختيار العروس بانه يفضلها (مختونة ). خرجت في جوف الليل من بيت الجيران بعد ان نامت الفتاة وهدأت الامها الى حين ..
ولكن ستعاودها الشهر القادم والذي بعده الى ان يقضي الله امرا كان مفعولا…كنت اسير مع والدتها التي أصرت على توصيلي الى بيتي ..كانت تتحدث عن اشياء كثيرة لم اتبينها ..ذلك انني كنت مهمومة بمعاناة بنات بلادي في تلك الأصقاع البعيدة ونحن هنا ندفن رؤوسنا في الرمال وندعي ان كل شئ على ما يرام ..
ورغم سوداوية الموقف ..اراني أستحضر كاركتيرا رايته قبل أيام يظهر اثنين من الشرق يشاهدان مجموعة من الرجال يجهزون مبنى الانتخابات فيقول احدهم للاخر (بالله الناس ديل … انتخابات تشوف ..موية دا ما تشوف؟؟) اشارة الى أزمة المياه المزمنة في الشرق ..قياسا على ذلك ( بالله الشيوخ ديل ..شيل حواجب تشوف… .ختان الاناث ماتشوف)…ووونقبل وووين ونحكي الوجعة …صباحكم خير
د. ناهد قرناص