مثل هذا القول غريب جدأ.. أن نسمعه كفاحاً من لسان نقيب المحامين (شخصياً).. في السابق كانت مهمة نقيب المحامين أن يقول: (كان طارت.. برضو غنماية)، في كل ما يمس الحكومة.. فنقابة المحامين طوال سنوات يوبيلها الفضي منذ 1989. كانت تقدم أسوأ نموذج لنقابة يفترض أنها تمثل أحد أهم أوجه الدفاع عن حقوق الإنسان السوداني.
(نقابة المحامين) في خاطر الإنسان السوداني هي مجرد (صالة أفراح) في شارع (61) يقيم فيها السادة المحامون أفراحهم.. لسانها مقطوع.. وضميرها غائب تماماً عن قضايا الشعب السوداني.. لم تقم ندوة أو ورشة عمل أو حتى مجرد بيان يبيض وجهها أمام الشعب في قضاياه الملحة.. بل وأكثر من ذلك.. كانت دائماً شاهد زور على سلامة أوضاع حقوق الإنسان في السودان..
لكن ما يقوله النقيب الجديد الطيب هارون الآن.. يمنح الأمل في أن ينصلح وضع هذه النقابة العجيبة.. التي ليس مطلوباً منها أن تتحول إلى حزب معارض.. ولا أن تشتم الحكومة.. بل فقط مطلوب منها أن تشهد بالحق على ماهو من صميم اختصاصها.. حقوق الإنسان السوداني الضائعة.. وأن تهب الإنسان السوداني الإحساس بأن منظمات المجتمع المدني.. هي فعلاً منظمات (المجتمع!!).. لا الوجه الآخر للحكومة.
مطلوب من نقابة المحامين، أن تقيم الندوات، مثل ندوة جمعية القانون الدولي أمس، التي نجح رئيسها، البروفيسور بخاري الجعلي، في تحويلها إلى ندوة جماهيرية محضورة بامتياز.. وتتحول نقابة المحامين إلى مدافع في الصف الأول عن كرامة الإنسان السوداني.. بدلاً من بياناتها التي تصدرها عند الطلب كلما احتاجت الحكومة إلى سندها..
وبصراحة الحكومة تخسر أيضاً مرتين عندما تفترض أن النقابات المدجنة توفر عليها رهق العناد والمعارضة وكشف الحال.. بالعكس النقابات القوية تقوي الحكومة بإصلاحها وتقويمها.. والنقابات الضعيفة تقتات من مال الحكومة دون أن تفيدها.. على نسق ما أبدعت الآية الكريمة في تصويره ..(وَضَرَبَ اللَّهُ مَثَلًا رَجُلَيْنِ أَحَدُهُمَا أَبْكَمُ لَا يَقْدِرُ عَلَىٰ شَيْءٍ وَهُوَ كَلٌّ عَلَىٰ مَوْلَاهُ أَيْنَمَا يُوَجِّهْهُ لَا يَأْتِ بِخَيْرٍ هَلْ يَسْتَوِي هُوَ وَمَنْ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَهُوَ عَلَىٰ صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ).
نقيب المحامين كان شجاعاً وهو يستعرض حقوق الإنسان أمام ندوة أمس.. لكنه مطالب بأن يصحح الأوضاع في نقابة المحامين وبأعجل ما تيسر.. لتنهض بدورها الحقيقي.. وتستعيد احترام وتوقير الشعب لها..
عثمان ميرغني-التيار