** وهذا أحمد مطر عندما يكتب قصة حالين :
في بلاد المشركين
يبصق المرء بوجه الحاكمين
فيُجازى بالغرامه
ولدينا – نحن أصحاب اليمين –
يبصق المرء دماً تحت أيدى المخبرين
ويرى يوم القيامة
عندما ينثر ماء الورد والهيل – بلا إذن – على وجه أمير المؤمنين ..!!
:: تلك عبقرية شاعر.. ولأن الشرح يفسد ما بخيال المتلقي، ندع تلك المقارنة (كما هي) .. ثم نقارن أيضاً..على سبيل المثال، في الحرب العالمية الثانية، شاء القدر بأن يكون اللورد ليونارد شيشر أول من يطلق قذيفة تجاه العدو، وكان عهدئذ ضابطاً في الجيش البريطاني..ثم ظل متفانياً في خدمة بلاده ، إلا أن تقاعد..بعد التقاعد، لم يفكر شيشر في تأسيس شركة تجارية خاصة، بحيث يستغل فيها اسمه الشهير لتحتكر السوق وتربح السحت، أو كما تفعل شركات بعض لوردات السياسة في السودان..وكذلك لم يفكر شيشر في تأسيس منبر إنفصالي لتمزيق بريطانيا وتفكيك نسيجها الثقافي، أو كما فعل قدامى المحاربين بمنبر السلام العادل..نعم، لم يفكر هذا اللورد البريطاني في تجارة إنتهازية تحارب الأخرين في أرزقاهم بالإحتكار، ولم يشارك في أي نشاط يثير الفتن العنصريه في مجتمع بلاده..كان عميقاً في التفكير .. تذكر بأنه أول من أطلق قاذفة أصابت جيش الخصم في أزمنة الحرب وأعاقت بعض أفراده، ولذلك رأى أن أزمنة السلام بحاجة الى إطلاق أفكار تخدم البشرية وسلامها.. ومن هذا التفكير السليم، أطلق اللورد شيشر السراح فكرة ( دار شيشر لتأهيل الأطفال المعاقين).. مجاناً..!!
:: إنطلقت الفكرة..ومن بريطانيا، انتشرت دور شيشر – بكل عدتها وعتادها – الى أرجاء الكون المصابة بداء الحرب والفقر و بطش السلطان..ودار شيشر التي بالخرطوم تحمل الرقم (250).. رعاية طبية وتأهيلية وترفيهية وتعليمية للمعاق، هكذا خدمة دار شيشربالخرطوم وكل عواصم الحرب والفقر والبطش..ومنذ العام 2011، إستقبلت دار شيشر بالخرطوم (1.400 طفلاً معاقاً)، بالإنسانية وترحابها، ولاتزال تستقبل بلا من أو أذى أو(شوفونية).. نقصدها بين الحين والآخر مع بعض الأصدقاء، وتزاحم الفقراء وأطفالهم هناك يرغم أصدقائي على تفقد حال الدار العامرة بفضل الله ثم بجهد إدارته الواعية وبعض الأخيار..للأسف، إقترحت لوالي الخرطوم – على هامش لقاء صحفي – بأن يتفقد دار شيشر ويساهم في رعاية وتأهيل أطفال رعيته، ولو بشكر للقائمين على أمرها، إذ بالدار المصاب بشلل الأطفال والمعاق بألغام منسية..ليتني ما إقترحت، إذ رد قائلا بالنص ( اسم الدار ما مريح، ح ندعمها لو غيروا اسمها) ..!!
:: لو فكر قليلاً، لعلم الوالي أن شيشر هذا ليس بمسلم ولا سوداني، بل جاءت به إنسانية ذات ظلال ورافة ليعالج أطفال فقراء السودان ويؤهلهم بحيث يكونوا جزء من المجتمع المنتج.. وأن إنسانية شيشر تفعل كل هذا بلا شروط من شاكلة ( غيروا دينكم وأسماكم).. نعم، مكارم الأخلاق هي التي جاء باللورد شيشر الى السودان، ليداوي أطفالنا ويؤهلهم بحيث لايكونوا عبئاً على ذويهم مدى الحياة..ومكارم الأخلاق تلك هي المفقودة في نهج المتنطعين الذين يظنون بأن الأصل في الاسلام هو المظاهر وليس المقاصد..ثم هناك إمراة بأمدرمان، اسمها عوضية، لم تجد حظاً في التعليم، فامتهنت مهنة بيع السمك، فأشتهرت ب (عوضية سمك)..عندما إكتشفت موقع تلك دار شيشر بالصدفة، ورأت مشاهد الأطفال وأسرهم الفقيرة، حدثتها إنسانيتها السليمة – غير المتنطعة – بتقديم وجبة إفطار للأطفال وأمهاتهم والعاملين بالدار في أكثر أيام العمل زحاماً (الثلاثاء من كل أسبوع)، وهو يوم إجراء العمليات للأطفال ..منذ خمس سنوات، والى أسبوعنا هذا، تطعم عوضية أطفال الدار وأمهاتهم والعاملين بالدار من فضل زادها بلا من أو أذى أو شروط من شاكلة ( اسم شيشر ده ما مريح، غيروه لى اسم اسلامي)..!!
:: عفواً، فالحديث ليس عن دار شيشر، ولا عن تلك المواقف..بل عن أفكارما بعد تقاعد الساسة والجنرالات في الغرب، (اللورد شيشر نموذجاً)..ومقارنتها بأفكار ما بعد تقاعد الساسة والجنرالات في بلادنا، والنماذج كثيرة ومتناثرة ما بين (مسجل الشركات) و(المنابر الانتهازية)..هناك الأفكار سامية بتجاوز ظلالها للمنافع الذاتية الى تظليل البشرية، وهنا الأفكار – كما نباتات الظل – بلا ظلال، أو ظلالها محض مكاسب ذاتية باستغلال النفوذ السابق، أي السياسي في بلادنا إما ( صاحب منصب) أو ( صاحب شركة)..ولذلك، ليس في الأمر عجب بأن تنهض الشعوب ودولها هناك وتحلق بأجنحة الأفكار السامية، بيد أن بؤس حال الشعب والبلد هنا يظل قابعاً في قاع الأفكار الآنانية أو التنطع الذي لايفقه من أصول الدين غير إطلاق اللحى ثم إستجداء (مركز كارتر) ليكافح (عمى الأنهار) ..!!
[/JUSTIFY]
الطاهر ساتي
إليكم – صحيفة السوداني
[email]tahersati@hotmail.com[/email]