المفهوم هو أن رفع الدعم عن السلع التي يترتب على زيادة أسعارها زيادة كل الأسعار بما فيها زيادة أسعار أكواز ماء الشرب في مجمع مواقف أستاد الخرطوم.
ثم إن إحصائية الفقراء لا يمكن أن يُغطيها رفع الدعم عن سلع هم أول وأكثر المتضررين منه. ويبدو أن من طالبوا برفع الدعم لغرض دعم الفقراء «بطريقة مباشرة» قد خلطوا بين الدعم الرسمي ودفع الزكاة. فدعم الفقراء المباشر يكون بالزكاة.. أما دعمه غير المباشر يكون «بالذكاء»، والفرق شاسع في المعنى إن كان ليس كبيراً في الجناس. وإذا كان دعمهم المباشر لا يكون برفع الدعم عن أهم السلع مثل الوقود والقمح، فإن وزير المالية والاقتصاد الوطني الدكتور بدر الدين محمود رفض بشدة وبحدة طلباً لرفع الدعم عن الوقود، وقال هناك إمكانية للمعالجة دون أن تكون على حساب معيشة الفقراء. إذن هو «الذكاء» الذي ينتج الدعم غير المباشر للفقراء دون اللجوء إلى العادة المالية السيئة التي كانت تلجأ إليها الحكومة كلما نشأت مشكلة عجز في الموازنة يطرأ بسبب تطورات الأوضاع الأمنية مثلاً.
في الجمعة قبل الفائتة أعلن وزير المالية رفضه لاتخاذ قرار برفع الدعم عن المحروقات، وقال إنه رفض طلباً بذلك. إذن حينما نرى بعض البرلمانيين يطالبون ــ دون معرفة وكتاب منير ــ برفع الدعم لدعم الفقراء، فإن لسان حال الأغلبية من الشعب وهم البسطاء سيردد ذاك المثل الشعبي القائل «أهل البكاء غفروا والجيران كفروا». أي أن أهل المتوفى حمدوا الله واستغفروا وصبروا لكن جيرانهم استمروا في البكاء والنواح، فقد كان الأولى أن يحدث العكس إن كان لا بد منه.
فإذا كان وزير المالية عضو الحكومة.. عضو الجهاز التنفيذي للدولة.. عضو مجلس الوزراء يرفض رفع الدعم ويقول إنه يملك الحل غير المؤذي للفقراء، فلماذا البكاء والنواح داخل البرلمان الذي مفترض أن ينحاز للفقراء؟ إن حجة بعض البرلمانيين الذين طالبوا برفع الدعم تبقى مدحوضة. لأن آثار رفع الدعم أكثر من يتأثر بها سلباً هم الفقراء. فكيف يكون دعمهم برفعه؟ إذا كان بتسليمهم أموالاً يداً بيد، فسيجدون في السوق أن الأسعار قد ارتفعت بسبب رفع الدعم عن أهم السلع لصالح دعمهم هم. إذن ما دعموهم به ستلتهمه نيران زيادة الأسعار التي زاد إشتعالها عملية رفع الدعم. وهكذا «كأنك يا أبو زيد ما غزيت».
إذن المطلوب من البرلمان ألا يستعجل ويحمل وجه القباحة بدلاً عن الحكومة «ست البكاء».. فهي إذا غفرت فلا داعي لبكائه ونواحه هو.
وعلى البرلمانيين أن يسعوا لاكتساب الثقافة الاقتصادية حتى ينجوا من منازلة المواطن في معركة الأسعار. أو أن يصوغ البرلمان لائحة تمنع أي برلماني أو أية برلمانية من إطلاق التصريحات حول أمور لا علاقة لهم بها سواء كانت أكاديمية أو مهنية أو هي من صميم اهتماماتهم. إن مثل هؤلاء البرلمانيين في عهد الديمقراطية الرابعة والتحول الديمقراطي في الجمهورية الثانية بعد فصل الجزء المزعج بالأوضاع الأمنية أي «جنوب السودان»، إن مثل هؤلاء البرلمانيين قد جعلوا في نظر بعض الناس مجلس الشعب أيام نميري الذي كان رائده «شيخ علي» أفضل من المجلس الوطني هذا. إن قرارات زيادة الأسعار أيام نميري كانت تأتي من قصر الشعب كما أسماه نميري وليس مجلس الشعب. إنه بكاء الجيران بعد صمت أهل المرحوم.
لقد رفض وزير المالية رفع الدعم.. وها هو البرلمان المفترض أن يصفق له خرج نفر منه يطالبه برفعه بحجة لا تستند إلى منطق اقتصادي. ثم حينما جاء «شيخ علي» زعيماً للمعارضة في الجمعية التأسيسية في فترة الديمقراطية الثالثة، رفض بشدة زيادة سعر السكر التي طرحتها حكومة الصادق المهدي بحجة مقبولة، فقد ارتفعت وقتها فاتورة حرب الجنوب، وكان لا بد من دعم الموازنة، ووقتها لم يكن هناك وجود للتجنيب.
خالد حسن كسلا
صحيفة الإنتباهة
ت.أ