يا أساتذة الجامعات السودانية.. من استطاع منكم الباءة فليهاجر.. إلى أي دولة متاحة.. الأولوية طبعاً لدول الخليج.. ثم ليبيا.. فالدول الأفريقية.. وبالطبع هو ترتيب مالي محض.. يرتبط بوزن الأجور في هذه الدول..
وأقول لكم هاجروا.. ليس استنكافاً أن تستظلوا بسماء بلادنا.. ولكن.. أولاً لأننا لا نملك لكم (مال الكرامة) الذي يحفظ للأستاذ الجامعي كرامته.. فقط كرامته وليس طموحاته.. وثانياً لأنه من الأصل ليس هناك (جامعة) بالمعنى العصري في بلادنا.. صحيح لدينا أسماء جامعات.. وطلاب يتجولون في ساحات هذه الجامعات.. لكن بكل يقين بيئة هذه الجامعات لا تحلم أن تكون في مقام بيئة (مدرسة بحري الحكومية العليا) على أيامنا..
ما رأيناه من معامل ومدرجات وفصول واستديوهات للفنون وميادين لكل أنواع الرياضة وفوق كل ذلك أستديو موسيقى بفرقة فنية بكل قوامها من مختلف الآلات.. لا تحلم به أبهى جامعة..
في مدرسة بحري الحكومية كان معلم اللغة الإنجليزية بريطاني الجنسية.. ومعلم اللغة الفرنسية فرنسي الجنسية.. وبقية المواد العلمية من الشقيقة مصر.. كل هذا الاستثمار الكبير كانت تتعهده الدولة من حر مال الشعب السوداني وبمنتهى الأريحية لا ندفع قرشاً واحداً ولم نسمع بالرسوم والجبايات المدرسية..
لماذا نجبر أساتذة الجامعات أن يمارسوا الفقر في بيئة أفقر منهم.. على العكس تماماً عندما يهاجرون إلى دول تستثمر في إنسانها وتستجلب لهم أفضل الأساتذة وتشيد لهم أفضل الجامعات.. فإن أساتذتنا ينالهم من الثواب ضعفين.. أجر محترم.. و احتكاك ببيئة محترمة تغمر خبراتهم بمزيد من الصقل على رأي المثل الشعبي (شق الديار.. علم)..
لكن بكل أسف.. نحن نلفظ أساتذة الجامعات وغيرهم من خبراتنا السودانية مرتين.. مرة بقوة الطرد المركزية التي تدفعهم للهجرة.. ومرة ثانية بفشلنا في استثمار فوائد الهجرة من أبناء وبنات السودان في المهجر.. فالمغترب السوداني في نظر دولته مجرد جواز سفر تصطاده شباك جهاز المغتربين لتحلب منه الرسوم بمختلف المسميات بنظام (خذ ما في الجيب.. دعك مما في الغيب)..
لو أدركت حكومتنا كيف أن دول كثيرة تقدم المزايا لمغتربيها وتستثمرهم بالمصالح فيرفدون خزائنها بموارد ضخمة من العملة الصعبة.. لما فزعت من أفواج الهجرة.. بل لسهلت لهم طريق الاغتراب الكريم..
وزيرة الاتصالات الدكتورة تهاني عبدالله نشرت لها الصحف خبراً يفيد بهجرة ثلث كوادر مركز البحوث.. والدهشة ليس في رقم الذين هاجروا.. بل في الذين مازالوا ينتظرون وما بدلوا تبديلاً.. الدهشة في الثلثين الباقين بالسودان لماذا لم يهاجروا؟.. أم هم في انتظار التأشيرة؟..
بالتأكيد هؤلاء الباحثون والخبراء ليس لديهم ما يعملونه في مراكز بحثنا.. فحتى لو رضوا بـ(الهم) فـ(الهم) ليس راضياً بهم.. وبدلاً من عطالة الذهن والجيب.. فليبحثوا عن الحسنيين.. ارتواء الذهن والجيب.. فمالهم في كل الأحوال- هو مال أسرهم في السودان.. وخبرتهم لابد يوماً عائدة لبلدهم..
يا أساتذة الجامعات.. من استطاع منكم الباءة.. فليهاجر..!!
[/JUSTIFY]حديث المدينة – صحيفة اليوم التالي