انقــلاب جـــوبـــا!

[JUSTIFY]
انقــلاب جـــوبـــا!

من أهم شروط صحة قيام أي دولة إفريقية، قدرتها على صناعة الانقلابات العسكرية، وهي الوسيلة الوحيدة للاستيلاء على السلطة وفرض الإرادة السياسية، ولن تكون دولة جنوب السودان كلمة شاذة على السطر والجملة الإفريقية، ولن تخرج عن القاعدة وتحيد عن الطريق..
محاولة الانقلاب التي حدثت مساء أول من أمس في عاصمة دولة الجنوب، يجب أن تُقرأ في سياقات ما يجري منذ فترة بين الفرقاء الجنوبيين من خلافات واحتقانات كان ختامها هذا المشهد الدرامي الدامي بكل تفاصيله وأبعاده ومعطياته..
وكان واضحاً من البداية العلاقة بين الرئيس سلفا كير وخصمائه داخل الحركة الشعبية خاصة بعد أن أطاح نائبه رياك مشار وأبعد باقان أموم الأمين العام السابق للحركة ومجموعات أخرى من قيادات الحركة الشعبية، أن الأمور تسير إلى طريق مسدود وتنتهي عند فوهة البنادق..
ومن السابق لأوانه الحديث عن التفاصيل الدقيقة وكل المعلومات عمّا حدث، وإماطة اللثام بالكامل عن وجه الأحداث والتوترات في جوبا، والتي تكفلت وسائل الإعلام والفضائيات بنقل الكثير من ظاهرها المتاح.. لكن لا بد من القول بأن الأوضاع في دولة الجنوب منذ الإعلان عنها كدولة في «2011م»، ظلت مرشحة للانفجار في أي لحظة بسبب التنافس والتسابق نحو السلطة ومحاولات السيطرة عليها واستخدام القبليات والجهويات كمعادل ترتكز عليه تركيبة الحكم القائمة هناك..
ولعل حداثة التجربة وافتقار الحركة الشعبية للنضج السياسي كتنظيم عسكري جاء من الغابة إلى السلطة ومارس الحكم ولعبة السياسة، لم تتمكن من ترتيب الأوضاع الهشة داخل الدولة الوليدة ولا ترسيخ تجربة حكم تقوم على مأسسة الدولة وتقوية أوصالها وأركانها، وكانت هناك نذر وطلائع للمواجهات والصدام انتقلت من حلبة العمل السياسي المفتوح إلى لغة الرصاص..
وتحرِّك المشاعر العرقية والعشائرية، كل التفاعلات السياسية والعكسرية والتنفيذية في دولة الجنوب، ويستند القادة وأركان الحكم والجيش الشعبي إلى قبائلهم وتكويناتهم المناطقية والعرقية، وتقوم موازنات المشاركة السياسية في السلطة على هذه المفاهيم دون أن تكون هناك أفكار متقدمة تجنب الدولة الجديدة الوقوع في براثن الأخطاء والتجارب المريرة في دول العالم الثالث الموبوء بهذا النوع من أنظمة الحكم وأنساقها.
وكان لا بد أن تشهد دولة الجنوب هذا النوع من التنازع لحدة الاستقطابات الحاصلة فيها، داخل أجهزة الدولة ومؤسساتها خاصة الجيش الذي لم يتحول بعد إلى جيش نظامي بمعايير النظم العسكرية وضوابطها، فقد ظل الجيش الشعبي على ما هو عليه سوى تغييرات طفيفة طرأت عليه، لكن عقيدته العسكرية وتكوينه البنيوي لا يزال كما هو أقرب للمليشيا منه لجيش منظَّم ومدرَّب ومؤهَّل لحماية دولة ونظام ودستور..
وحدثت خلال الفترة الماضية تطورات مهمة تغيرت بها الأوضاع الداخلية بحدوث تغيير في قيادة الدولة بعد إزاحة نائب الرئيس السابق رياك مشار وعدد من القياديين في الدولة والحركة الشعبية كحزب حاكم، في تجلٍّ بائن للصراع الداخلي، وتلا تلك التطورات عمليات تجميع واستقطاب واسعة قامت بها تحالفات جديدة، أسهمت بشكل متسارع في تهيئة الظروف للتحرك العسكري المضاد ضد سلطة الرئيس سلفا كير الذي كان يعلم أن أعداءه يشحذون سكاكينهم لحزّ عنقه وتبرز أنيابُهم لنهش قلب سلطته القابضة..
والسؤال الأبرز الآن: هل تقف قوى خارجية من خارج القارة وربما من داخلها خلف هذه المحاولة الانقلابية؟، خاصة أن التيار المناوئ لسلفا كير يحظى برعاية خاصة من بعض الجهات الدولية التي كانت ترى في هذا التيار وهو يضم شتيتًا من القيادات لم تكن لتتفق مع بعضها، ترى فيه انتدابات سياسية لمشروع جون قرنق الداعي لإقامة ما يسمى بالسودان الجديد، ويعتمر هذا التيار كوفية أيدولوجية لا يتحمس سلفا كير لارتدائها..
فتحالف معارضي سلفا كير بأطيافه المختلفة والمتناقضة، كان يُعد نفسه بشتى الوسائل لإزاحة غريمهم القوي من السلطة، وقد واتت الفرصة لكنها لم تكن مُحكمة وعاشت جوبا أجواء قاسية من أمطار الرصاص ورائحة البارود والأشلاء والجثث، وقد لا تنتهي عملية كشف المستور عن هذا الانقلاب وملاحقة المتورطين فيه قريباً، وإذا ثبتت اتهامات سلفا كير لنائبه السابق د. رياك مشار وبقية المتحالفين معه من قيادات سابقين في الحركة الشعبية، فإن الأوضاع في الجنوب لن تعود كما كانت، ويكون مركز السلطة والقرار الذي اهتز بقوة في حال يختلف عمّا هو عليه اليوم!
[/JUSTIFY]

أما قبل – الصادق الرزيقي
صحيفة الإنتباهة

Exit mobile version