لا يختلف اثنان حول أهمية الانتخابات في الممارسة السياسية ليس فقط كونها السبيل الوحيد الآمن لاختيار شخص لتولي منصب رسمي، أو ملء مقعد في البرلمان، ولكنها لدى الكثير من الدول التي تشهد عدم استقرار سياسي تبدو فرض عين وشرط مسبق لإحلال وإقرار الاستقرار السياسي الذي بدوره يمهد للاستقرار الأمني والاقتصادي، وبالتالي يجب النظر إلى الانتخابات التشريعية التي انطلقت أمس في مالي، وفي تركمانستان على هذا الأساس، فالأهمية هناك تتضاعف بالنظر للأوضاع السياسية والإقليمية في البلدين، فمالي التي مزقتها الحرب والانشقاقات السياسية بعد انقلاب العام 2012 على السلطة المركزية في باماكو لم تتذوق الاستقرار النسبي في المجال الأمني والسياسي، إلا بعد الانتخابات الرئاسية التي جرت في أغسطس الماضي، وفاز فيها الرئيس إبراهيم أبوبكر كيتا، وشكلت حكومة برنامجها الرئيس المصالحة الوطنية بين مكونات المشهد السياسي في مالي التي دخلت مرحلة حروب الطوائف على أساس جهوي وإثني وديني ينذر بتفتيت وحدة البلاد، التي لا عاصم لها اليوم سوى عبر صناديق الاقتراع التي توجه إليها الماليون أمس الأحد لاستكمال المسيرة الديمقراطية التي ابتدروها بالانتخابات الرئاسية، والمشاركة تعني التحدي لمحاولات المجموعات المسلحة المناوي لاستقرار مالي، التي ظلت ناشطة من أجل عرقلة قيام هذه الانتخابات التي يتوقع المراقبون نسبة مشاركة أقل مقارنة بالانتخابات الرئاسية في أغسطس التي بلغت 50%، واعتبرت حينها نسبة استثنائية في مالي، وذلك بسبب المخاوف من وقوع اعتداءات أثناء في يوم الاقتراع.
وبعيدا عن أفريقيا وبالتزامن مع الانتخابات المالية شهدت تركمانستان أمس الأحد أول انتخابات تشريعية (تعددية) في تاريخ برلمان هذه الجمهورية السوفياتية السابقة في آسيا الوسطى، التي يتنافس فيها حزبان في الانتخابات التشريعية، وكانت تركمانستان قد شهدت العام 2008 انتخابات تشريعية، ولكن خاضها حزب واحد فقط هو الحزب الديموقراطي لتركمانستان هذه المرة وجد نفسه في تنافس مع حزب الصناعيين ورجال الأعمال في تركمانستان الذي تأسس في أغسطس 2012، على مقاعد البرلمان البالغ عددها 125 مقعدا، ورغم الانتقادات الغربية على نظام الرئيس محمدوف لتقييده الحريات العامة، ولكن يبدو السبيل الوحيد لتغيير ذاك الواقع هو الانتخابات، وهو ما أكدته منظمتا الشراكة الدولية لحقوق الإنسان والمبادرة التركمانية لحقوق الإنسان في بيان مشترك أن “الانتخابات ستشكل حدثا جديدا ينبغي أن يدفع الأسرة الدولية إلى تجديد دعواتها لإصلاحات سياسية حقيقية وعميقة في تركمانستان”.
الشاخص في تطورات المشهد السياسي لتركمانستان التي تتنازعها ولاءات للغرب والصين وتنظر بعين القلق إلى ما يجري في أوكرانيا حاليا من حراك شعبي يخلص إلى أن الانتخابات هنا كما كانت في مالي ليست ترفا سياسيا بل سبيلا لتغيير الواقع بأفضل منه وعبر وسائل آمنة وضامنة لاستدامة الاستقرار.
العالم الآن – صحيفة اليوم التالي