من ذلك الحدث قبل نصف قرن دخل فاروق أبو عيسى دائرة صناعة الأحداث.. بعيد انقلاب مايو أظهر الرجل حماساً للنظام الجديد.. خدم أبو عيسى في صفوف مايو حتى بات أحد وزرائها المؤثرين.. حينما غيرت مايو الاتجاه، وانعطفت يميناً، تركها الرجل وتركته.. رغم هذا لم يهدأ أبو عيسى، ويتفرغ للشأن الخاص، في مجال المحاماة.. بل مضى يصادم مايو من منابر شتى حتى نزع الله الأحد، الحكم من جعفر نميري في لمح البصر.
استطاع فاروق أبو عيسى أن ينتزع مقعداً للسودان في اتحاد المحامين العرب.. بل تسلم سدة الأمانة العامة أكثر من دورة.. من هذا المنبر الإقليمي صادم حكام الإنقاذ.. جعل أبو عيسى الاتحاد منطقة محررة من نفوذ الحكام الجدد- كما ساهم فاروق مع زمرة من القانونيين السودانيين في فضح الانتهاكات الجسيمة التي يتعرض لها إنسان السودان.
عاد فاروق أبو عيسى مع بشريات الحل الشامل للأزمة السودانية عبر اتفاق السلام الشامل.. بات أبو عيسى نائباً معيناً في البرلمان الانتقالي، الذي أنجز أعظم دستور سوداني- يتآمر عليه القوم هذه الأيام- أدرك أبو عيسى أن تطلعات السودانيين أكبر من حصرها في حزبي المؤتمر الوطني والحركة الشعبية.. مع آخرين ومن مدينة جوبا ولد تحالف قوى الإجماع الوطني.. لم يكن هنالك شخص يستطيع أن يجمع التحالف الواسع- وقتها- غير فاروق أبو عيسى.. هذا الرجل رغم خلفيته اليسارية إلا أنه يتحلى بمزاج صوفي معتدل.. كما إن الفاروق رجل متدين جداً وزار الأراضي المقدسة أكثر من سبع مرات.
في تقديري رغم هذا الدور المميز جداً، والذي تجاوز نصف قرن من الزمان، إلا أن الوقت مناسب جداً لأن يتنحى الأستاذ فاروق أبو عيسى من قيادة التحالف المعارض.. تغيرت كثير من المعطيات وما زال أبو عيسى يتعامل بذات الآليات القديمة.. نفض حزب الأمة يده من التحالف دون أن يستشعر أبو عيسى أن هنالك أزمة.. تسرب المؤتمر الشعبي وفتح حواراً مباشراً مع المؤتمر الوطني وأبو عيسى في هدوء وسكينة.. احتج البعثيون على قيادة فاروق.. أخيراً رهن إبراهيم الشيخ عودة حزبه إلى نشاط التحالف بتنحي أبو عيسى.
بصراحة.. أصبح الأستاذ فاروق أبو عيسى جزءاً من الأزمات بدلاً أن يكون المرجع في الحل.. حتى صحته لا تمكنه من المشاركة في النشاط الجماهيري المفتوح.. إنه الوقت المناسب ليلوح فاروق بيديه للجماهير، ويسلم الراية إلى جيل جديد قادر على صناعة التغيير.
عبدالباقي الظافر-التيار