رن هاتفي، وظهر اسم (عمرابي)، ورغم أن العمراب كثيرون، إلا أن الاسم غير المعرّف بالألف واللام عندي، يعني عمرابياً واحداً، هو أخي وصديقي وزميلي الأستاذ محمد إسماعيل العمرابي، وحتى بقية أسماء العمراب من الأصدقاء والزملاء تأتي أولاً ثم تلحق بها النسبة إلى العمراب، مثل زميلنا الراحل «أحمد عمرابي» وشقيقه الأكبر علي العمرابي والمخرج الإذاعي الكبير عمر إسماعيل العمرابي، والشبل الإعلامي النشط سامر العمرابي، نجل زميلنا الراحل أحمد عمرابي، رحمه الله رحمة واسعة.
وعود على بدء أقول إنه حال ظهور اسم «عمرابي» رددتُ مبتسماً وبصوت محب: «أهلاااان يا عمي محمد».. إذ هكذا كنتُ ولازلت وسوف أظل بإذن الله أنادي أخي وزميلي الأستاذ محمد عمرابي.. لكن الرد لم يكن منه، بل جاءني صوت زوجته الأخت الفاضلة الأستاذة سلوى مهنا، وهي تحييني بصوت حاولت أن يكون طبيعياً، وقد انزعجت حقيقية، إذ ليس من المعتاد أن تهاتفني السيّدة سلوى، وزاد من انزعاجي أنها تحادثني من هاتفه الشخصي، فانقبض قلبي، وسألتها دون أن أبدى قلقاً أو توتراً، عن الأحوال والأسرة والأولاد و(عمي محمد).. فطمأنتني على الجميع، وقالت: «محمد كويّس، وقال يضربوا ليك، لأنو من أمبارح في العناية المكثفة في مستشفى أمبريال، عندو ذبحة».. لم أجد غير أن أرد عليها بصوت هاديء: «إن شاء الله سلامة، وربنا يواليهو بالعافية، أزمة وبتعدي بإذن الله».
أغلقت هاتفي وأخطرت أخي وصديقي الأستاذ عبد العظيم صالح، الذي لم يتأخر لحظة في الاستجابة لنداء الزمالة، فقال لي: «نمشي طوالي».. و.. مشينا.
ونحن في الطريق إلى المستشفى، انفتحت أمامي أبواب الماضي، وأنا أضع قدمي لأول مرة في بلاط صاحبة الجلالة، وتحديداً في صحيفة «الأيام» الغراء أوائل العام 1979م، ضمن مجموعة قليلة اختيرت للعمل في مؤسسة الأيام للطباعة والنشر والتوزيع – هكذا كان اسمها – وقد سبقني للعمل فيها عدد من الأصدقاء والزملاء الأعزاء، أذكر منهم الأساتذة أحمد البلال الطيب والدكتور مرتضى الغالي وهاشم كرار وعثمان عابدين وهاشم عثمان وعوض طه وغيرهم، وكان زميلنا الكبير محمد عمرابي أحد الذين سبقوني بالعمل في صحيفة «الأيام» التي كان يرأس مجلس إدارتها آنذاك سعادة اللواء عوض أحمد خليفة، الشاعر والفنان المرهف، ثم خلفه الراحل الأستاذ أحمد عبد الحليم، بينما كان يتولى رئاسة التحرير الأستاذ إبراهيم عبد القيوم، قبل أن يتسلم منه الرأية أستاذنا الكبير الراحل حسن ساتي، وكان للصحيفة سكرتير تحرير واحد هو الدكتور محي الدين تيتاوي لتصبح السكرتارية ثنائية بانضمام الأستاذ يوسف عمر للدكتور تيتاوي، لكن سكرتير التحرير التنفيذي، كان صديقنا وزميلنا الراحل الأستاذ حسن الرضي الصديق، الذي كان يذهلنا بقدرته العالية في (حفظ) الصور وأرقامها، وحاولنا أن نتعلم منه، ولم يبخل علينا بعلم أو معرفة أو خبرة سبقنا إليها.
دخلت بلاط صاحبة الجلالة، من بوابة عظيمة، هي بوابة المنوعات التي كان يحرسها وينظم عملها الصحفي الفذ والعملاق أستاذ الأجيال محمد الخليفة طه الريفي، وكنت شغوفاً بتعلم (فنيات) المهنة، لكنني كنتُ خائفاً أترقب، فالعالم الجديد الذي انتقلت إليه من مهنة التدريس التي لم استمر فيها سوى عام دراسي واحد، كان عالماً ساحراً، يصعب على من لا يملك أدوات النجاح أن يستمر فيه، وكنت أريد أن أتعلم من الجميع، ولم أتخيل أن أبني صداقات سريعة وعميقة في ذات الوقت مع القدامى الذين سبقوني إلى هذا المجال، إلى أن كان مساء يوم صيفي ساخن، فإذا بـ(عمرابي) يقف أمامي ويقدم لي الدعوة لأن نلتقي مساءً بدعوة كريمة منه ومعنا أستاذنا وزميلنا الكبير الأستاذ حسن الرضي – رحمه الله – على مائدة عشاء في منزله بأم درمان العرضة.
ومنذ تلك الليلة الصيفية في العام 1979م، ظل تواصلنا قائماً وظلت علاقتنا تتوطد يوماً بعد يوم وتقوى، وامتدت العلاقة مع كل الزملاء الذين هم اليوم أصدقاء العمر والمهنة والروح، ولا أحسب أن يفرق بيننا شيء، فادعوا جميعكم لأخي وصديقي الصحفي الكبير محمد عمرابي، أن يجتاز هذه المحنة وأن يخرج منها أقوى وأصلب عوداً، وأشد شكيمة ومضاء وعزيمة، لأسرته وأهله وجيرانه وأصدقائه.. ونبعث برسالة لزملائنا من الحاكمين والمتنفذين والمسؤولين عن الإعلام، أن يتقدموا خطوة نحو أهل المهنة، خاصة أولئك الذين هدهم المرض وأعيتهم الحيلة ولم يدخلوا إلى بلاط صاحبة الجلالة إلا بأقلامهم وخرجوا منها بذات الأقلام، إلا من تيجان على رؤوسهم هي تقدير الناس لهم.
بعد ومسافة – آخر لحظة
[EMAIL]annashir@akhirlahza.sd[/EMAIL]