1- صاحب موضوع حلايب والمستطيل شمال وادي حلفا القديمة تصعيداً سياسياً من الجانبين لدرجة تنذر حيناً بالحرب ثم تعقبه تهدئة عاطفية لدرجة ينساها فيها الطرفان. وفي كلا الحالين تظل المشكلة قائمة دون حل وأهلها من الجانبين هم الضحايا.
2- حلايب سودانية حلايب مصرية: هكذا نقول نحن ويقولون، ثم تخرج أصوات تتحدث عن جعلها منطقة تكامل. وهو أمر غير عملي وغير ممكن ما لم تعرف حدود كل دولة: أين تقع نقطة الجوازات وأين تبدأ المنطقة الجمركية: فكل منا متمسك بحدوده. فالتكامل ليس هو الحل الآن.
3- نلجأ للتحكيم: السودان يقبل، ومصر لا تقبل أن يكون جزءاً منها وهو حلايب محل تحكيم. والتحكيم لا يتم إلا بقبول طرفي النزاع. موضوع طابا لا ينطبق على هذه الحالة لأن طابا كانت تحت الاحتلال الاسرائيلي وقبلت اسرائيل طلب مصر للتحكيم، وليس العكس كما تورد بعض صحفنا.
4- تعقد أمر حلايب أكثر بعد أن أصدرت مصر في عهد رئيسها الأسبق محمد حسني مبارك قانوناً بأن منطقة حلايب وشلاتين أرضاً مصرية، وقد صاحب القانون الذي صدر بعد محاولة اغتيال حسني مبارك والمتهم فيها السودان زخم إعلامي كبير وتعبئة وطنية أكبر. ويصعب إن لم يستحيل على أي حكومة مصرية تجاوز هذا القانون.
5- ثم زاد التعقيد ما ذاع من أن حلايب كانت ستدخل ضمن حل سياسي لقضية فلسطين في صفقة مع حركة حماس ومصر ودولة اسرائيل في إطار المشروع الأميركي المعروف باسم الشرق الأوسط الكبير خلال حكومة الرئيس المصري السابق محمد مرسي والذي يحاكم الآن أيضاً.. وفي أحد التهم بسببها.
6- الحل العملي في نظري هو أن يتواضع الطرفان على رفع الأمر إلى محكمة العدل الدولية وعلى عكس التحكيم فإن المسألة لا تتطلب موافقة الطرفين. وقبل أن ترتفع أصوات هنا وأصوات هناك كيف يدخل الشقيقان في شكاوى دولية لابد أن أوضح أن محكمة العدل الدولية أنشأتها الدول بكامل حريتها لكي تجنبها الشقاق ولكي تفصل لها في النزاعات التي لا تصل فيها الدبلوماسية إلى حلول أو إذا توصلت فيها إلى حلول قد لا تقبلها الطموحات أو العواطف الوطنية كما في حالة حلايب. وهي ليست محكمة لتأجيج الخصومات، بل على العكس لتبصير كل طرف بما له وما عليه، في جو هادئ محافظة على السلم العالمي والاقليمي وبأحكام تجعل كلا السياسيين والمواطنين يقبلون قراراتها.. وتكفيهم الكثيرـ إن لم يكن كل الحرج ـ ولا يعني الاحتكام لها أنهم أعداء.
7- سياسة تأجيل أو تعليق المشكلة وتركها للزمن وللمستقبل لا أقول هي زرع لقنبلة موقوتة فحسب كما تسير الأمثال، بل هي رعاية للقنبلة، وفي ذلك ظلم للأجيال القادمة. ولعلك يا أخ حيدر توافقني أن النظرة لمصر من جانب السودانيين ومن السودان لجانب المصريين تختلف عنها من تلك التي كانت منذ نصف قرن. اختفى أو كاد جيل وحدة وادي النيل وجيل الاستقلال التام لمصر والسودان.. وأخشى إن تركنا الأمر لأجيال أو حتى لجيل بعدنا في كلا البلدين سوف يظهر أناس وفي كلا البلدين لا يعرفون غير قومية ضيقة خانقة لا ترى حلاً إلا في البندقية.
8- إن اللجنة المشتركة بين مصر والسودان تم ترفيعها ليرأسها الرئيسان، وقد اتفقا على إزاحة المسائل الخلافية وعلى رأسها حلايب عن جدول أعمال الاجتماع الأول. والتمس من مقامها أن يزيحاها إلى الأبد عن أعمال اجتماعاتها، وأن يتوافقا على تقديمها سوياً إلى محكمة العدل الدولية: لا شاكٍ ولا مشكو، بل جاران يسعيان إلى حل يحقق سلاماً عادلاً على حدودهما. ويقيني أنه نظراً لقلة المستندات ووضوحها سوف تصل المحكمة إلى الحل خلال دورتي حكم الرئيسين فيكونا قد ربحا المستقبل الآمن للبلدين. وإذا لم يتوافقا لا قدر الله فلتعذر مصر السودان وهو يسعى للمحكمة باسمه ونيابةً عنها للوصول لحكم يؤمن للأجيال القادمة من الشعبين الجوار الآمن. وعندئذ فلينشط دعاة التعاون أو الاخاء أو التكامل في ظل السلام والعدل.
والله يتولى البلدين برحمته.
إبراهيم منعم منصور
وزير المالية الأسبق
صحيفة التغيير