وعندما يبدأ التفكير في مشروع زواج، يتم البحث والتمحيص أولا من الطرفين عن تلك الدوائر الثلاثة للطرف الآخر للتأكد من سلامتها، ويكون الرفض القاطع إذا ما رأت أسرة أحد الطرفين أن الآخر لا يناسبها .. وغالبا ما ترفض الأسر تزويج بناتها أيضا لمن يطرق بابهم وحيدا (بدون عقابو)، متعذرا برفض أسرته لمن إختارها قلبه، اما لأن أعينهم ترنو نحو خيار آخر لا يوافقهم عليه، أو لمجرد أن (عندهم رأي) في العروس التي اختارها ..
ولأن الأسر السودانية تحمل قناعة أن الزواج (أهل)، قد يزوجوا (المقطوع من شجرة) ولكن يرفضون من يقطع نفسه عمدا عن شجرة أهله .. فمن يتخلى عن أهله، معرّضا نفسه لغضب والديه وحرمانه من عفوهم ورضاهم، ومتجاهلا تهديدات أمه بقطع الذي أرضعته منه صغيرا، من أجل أن يتزوج بمن لا يرضونها .. حتما سوف يتخلى عن تلك الزوجة هي ذاتا أمام أول محك.
هاتفتني صديقة لـ اللطائف تعمقت علاقتي بها، لتتشارك معي الحيرة والتنازع الذي تعانيه ، بسبب موضوع غير بعيد عن مقدمتنا تلك .. فقد تقدم لها للمرة الثانية خلال بضع سنوات، شابا جمعت بينها وبينه العاطفة أبان دراستهم الجامعة، وعندما خططا لتتويجها بالزواج بعد التخرج، اصطدم مركب أحلامهم بصخرة رفض أسرة الشاب لتلك الصديقة، لا لعيب فيها فقد جمعت الحُسنين .. حسن الخَلق والخُلق، وليس لعيب في (عقابها) فهي من عائلة مؤصلة مستورة حال، ولكن لأنها دون مستوى تطلعات أسرة الشاب البرجوازية، فزميلها ينتمي لأسرة من أكبر العائلات ذات الحسب والنسب والعراقة التاريخية التي اكتسبوها بمجاهدات اجدادهم الوطنية، ويجمع أفرادها بين وجاهة المال ووجاهة المقامات السامية، أما صديقتنا تلك فلا يعيبها سوى أنها ابنة (محمد أحمد) بسيط، لا ترتقي همته لمستوى نسب تلك الأسرة البرجوازية النبيلة !
عندما رفضت أسرة الشاب الحضور معه لطلب يدها، استجمع شجاعته وتقدم لوالدها بمفرده ولكن وكما هو متوقع من عزّة النفس (المحرية) فيه، فقد رفض الأب وابنته من قبله، فكرة أن يفرضوا أنفسهم على من يرفضهم .. فهم أكرم وأعز من ذلك، كما لا يرضون أن يكونوا السبب في شقاق بين الشاب وأسرته وغضبهم عليه .. ونتيجة لعنجهية أسرة الشاب، وعزّة نفس أسرتها تم وأد المشروع في مهده.
مرت سنوات وسنوات لم يستطيع فيها الاثنان تجاوز محطة (الحب الأول)، رغم التباعد والانقطاع، لذلك ما أن جمعت بينهم الصدفة في مناسبة ما حتى نفضت نسائم اللقيا الرماد عن جزوة النار وجددت الآمال القديمة، وعندما تبين لهما أن صروف الدهر لم تستطع أن تحول قلبيهما عن (البينا كان)، عاود الشاب طرق باب بيتها ولكن بـ شرطه القديم، فـ الحال في أسرته ياهو نفس الحال، ومبادئهم أيضا لم تغيرها السنوات.
شاركتني الصديقة في حيرتها .. أتوافق عليه وتتجاهل أسرته؟ أم تلوذ بكبريائها وترفض يده الممدودة نحوها للمرة الثانية؟
و(بما إنو ونسبة إلى) أنني (لسه صغيرة في سني) ولا أمتلك خبرة في الحياة تؤهلني لأن أقودها إلى النور وأربح جائزة .. بالمناسبة ده اسم زاوية في مجلة عربية كانت تعرض رسالة صاحب المشكلة على القراء، على أن يرسلوا للمجلة اقتراحاتهم بالحلول، والحل الأمثل يحظى صاحبه بجائزة !
ما علينا .. فـ أنا أيضا كحال أهلي المصريين أفضل أن أمشي في جنازة على أن أمشي في زواجة خوفا من (الشبك)، لذلك طلبت من صديقتي أن تتريث وتمعن التفكير في كل الاحتمالات .. فإن اطمئنت لـ (زولا)، فعليها ترك المخاوف خلف ظهرها وتتوكل باكمال الزواج .. كيتا في البرجزة والبرجوازيين .. لكن شنو؟!!
لطائف – صحيفة حكايات
munasalman2@yahoo.com