عبدالباقي الظافر: كلاً من الشيخ والمشير سيظل مثل طائر السقد ينام وعينه مفتوحة على مفاجأة

قبل أيام خطف الشيخ الترابي رجله إلى المجلس الوطني.. زيارة هذا الموقع تحديداً محفوفة بالذكريات المريرة.. في اليوم الثاني لمفاصلة رمضان كان الشيخ يسجل موقفاً للتأريخ، ويقف أمام بوابة البرلمان باعتباره يشغل منصب رئيس المجلس الوطني.. حارس البوابة الذي لا يفقه في تفاصيل الدستور، الذي لم يمنح رئيس الجمهورية حق حل البرلمان، اعتذر للشيخ بكلمات معدودات تفيد أن التعليمات تمنع دخول أي مواطن.. لا جديد في الزيارة المراسمية الأخيرة سوى أن الشيخ المثير للجدل كان يرتدي جلباباً رمادياً على غير العادة.. هذا اللون غير الحاد سيسود علاقة الشيخ الترابي بالمشير البشير في الفترة القادمة.
تحول موقف الترابي من الخصومة إلى التعاون مع النظام الذي أقصاه من كل المواقع، وخطف حتى حركته الإسلامية يستوجب الاستجلاء.. الشيخ الترابي تتفق أو تختلف معه شخص إستراتيجي لا يمنح العواطف كبير وزن.. بل إن صراحته قاسية في كثير من الأحيان.. كل التحولات الجديدة يستهدف فيها الترابي إصلاح النظام من الداخل أو إسقاطه عبر ثورة شعبية.. الترابي يعتقد أنه سيرث أرض الإسلاميين إن سقطت الإنقاذ أو عدلت من سلوكها الشمولي.. اهتمام الترابي بإعادة طرح مشروعه السياسي في بيئة ديمقراطية لا تستبطن عداءً مسبقاً للإسلاميين يجعله يتحرك بحذر.
إستراتيجية الاحتواء المزدوج التي صممها الترابي تجعل المشير البشير تحت قبضة الشيخ.. تقوم هذه الإستراتيجية على افتراض أن المؤتمر الوطني تحول إلى حزب الرئيس كما في التجربة المصرية أيام مبارك، وتجربة الرئيس نميري مع الاتحاد الاشتراكي قبيل السقوط في براثن الانتفاضة.. هذا الافتراض يقوم على نهاية الحقبة السياسية بانتهاء أجل الرئيس القابض.
شواهد هذا التحليل في دعم الترابي للسلطة المطلقة لرئيس الحزب تكمن في عدم صدور أي تصريح من الشيخ الترابي في دستورية إعادة تقديم المشير مرشحاً رئاسياً.. بل إن الشيخ لم يعارض- صراحة- اتجاه الحكومة لمنح رئيس الجمهورية حق تعيين ولاة الولايات.. لم يكتفِ الترابي بالصمت في موقف مفصلي أسست عليه مفاصلة الإسلاميين.. بل قدم الترابي خلاصة خبرته في صناعة الدساتير وأوضح أن الأمر لا يحتاج حتى لتعديل الدستور.
تحويل الرئيس إلى شخص قابض يضعف الحزب الحاكم ويفض من حوله رجال أقوياء بسبب الطموح أو خيبة الأمل.. هنا يستخدم الترابي الشق الأول من الخطة.. البداية ملء الفراغ الذي خلفته قرارات الرئيس بالإطاحة بمراكز القوى، ثم استغلال اندفاع الرئيس نحو الرمز التأريخي في إحداث تغييرات في بنية النظام تحفظ للمشير البشير دوره في الحاضر وتؤمن له خروجاً نهائياً وآمناً وسلمياً من السلطة.
إن لم يحدث ذلك التغيير الإيجابي وأعاد الرئيس البشير منظومة رجاله الثقاة من نوافذ أخرى.. هنا تنتقل الإستراتيجية إلى خيار إسقاط النظام عبر ثورة شعبية يشعل عودها الإسلاميون الغاضبون داخل الحزب وخارجه.. هذا الخيار يقي الإسلاميين من شر العزلة- إن نجحت حركات الهامش في إسقاط النظام عبر البندقية.
بصراحة- أروع ما في الصراع الناعم أن كلاً من الشيخ والمشير سيظل مثل طائر السقد ينام وعينه مفتوحة على مفاجأة ليست في الخاطر

عبدالباقي الظافر-التيار

Exit mobile version