عثمان ميرغني: ( في حد يعرف أحسن من الحكومة؟!!)

المجلس الوطني (البرلمان) سينظر في عدة تعديلات دستورية عاجلة يفترض أن تكون أودعت فيه أو في سبيلها.. وليس معلوماً حتى لحظة كتابة هذه السطور- تفاصيل هذه التعديلات الدستورية.. لكن على الأقل مفهوم أنه على رأسها تعديل يلغي انتخاب ولاة الولايات والعودة إلى نظام التعيين المباشر.

ولا حاجة بي إلى تكرار القول بخطأ العودة إلى تعيين ولاة الولايات.. بحجة أن انتخابهم يثير نزوات القبلية والعنصرية.. فعلاج القبلية في درء شرورها العصبية حيثما وجدت.. وليس في التراجع عن فضيلة الاحتكام إلى رأي الشعب في اختيار الولاة.

لكن في تقديري المشكلة ليست في (التعديلات) مهما كانت كثيرة أو مختلف عليها.. المشكلة في (منهج!!) التعامل مع التعديلات الدستورية..
البرلمان الآن يكمل دورته ويسلم في أوراقه ويعزف لحن الختام.. وخلال عمره الطويل لم يعهد فيه مجابهة أي تشريعات أو قرارت مصيرية بالتمحيص الممعن في الحيدة والرأي المجرد من الانتماء السياسي.. كان السادة النواب- دائماً- في حرص شديد على إثبات ولائهم وانتمائهم إلى (الوطني) أكثر من (الوطن)، وهم معذرون في هذا المسلك والإحساس.. لأنهم يدركون أنهم نالوا مقاعدهم تحت قبة البرلمان بأمر الحزب.. لا بأمر الشعب.. بأمر الجهة التي رشحتهم داخل الحزب للمنافسة في الانتخابات، لا بأمر الجماهير التي صوتت لهم..

هذا الوضع يجعل الاحتكام إلى رأي البرلمان في أي تعديلات دستورية أو غيرها من القرارات المصيرية أمراً فيه (صورية) وإيهام ممعن في الوهم.. مجرد تمرير لقرارات أو تعديلات يعلم النواب أنهم ليسوا مخولين ليس في رفضها أو تعديلها بل حتى في مجرد إبداء الرأي فيها.. فهي للعلم.. لعلم النواب لا لحر رأيهم وقرارهم.

وتحت هذا العنوان مرر النواب كثيراً من القرارات والسياسات في السابق.. بل وصلت مرحلة نالت عن جدارة- استخفاف الشعب السوداني كله وسخريته عندما صفقوا لقرارات زيادة أسعار السلع الضرورية.. مما أطاح بأي إحساس شعبي أنهم يمثلون الشعب.. بل يراهم كثيرون أنهم يمثلون مصالحهم الشخصية أولاً.. والحزبية ثانياً وأخيراً.

في كل العالم.. نواب البرلمان هم صناع الدولة ومسنقبلها.. لأنهم المبادرون بالتشريعات والحافظون لحقوق ومصالح الشعب والوطن من خلال موازنتهم لسلطة الجهاز التنفيذي بسلطة الجهاز التشريعي والرقابي.. لكن في سوداننا المكلوم.. البرلمان مجرد الوجه الآخر للحكومة.. يراعي خاطرها بدرجة (إذا الخاطر سرح عنك.. تأكد أنو راح ليك..) على رأي الشاعر..

بكل يقين سيجيز البرلمان التعديلات التي تأتيه بلا حاجة إلى أي مجهود (إقناعي) من أية جهة.. بل والأجدر أن الحكومة- نفسها- ما كانت في حاجة إلى البرلمان للنظر في هذه التعديلات.. فكأني بالبرلمان يتمثل بقول عادل إمام (هو في حد يعرف أحسن من الحكومة؟!!).

عثمان ميرغني-التيار

Exit mobile version