هذا خبر أنقله عن قصاصة صحفية من أرشيفي: شهدت جامعة أردنية حفل تخريج دفعة من الأطباء، وتوجهت عائلة لحضور الحفل، لأن أحد أولادها كان ضمن الدفعة المتخرجة.. وتهادى الخريجون في «أروابهم» الفضفاضة والزعابيط السخيفة على رؤوسهم، فرحين مصافحين مدير الجامعة وعميد الكلية وملوحين بأيديهم للأهل المحتشدين في القاعة.. وانتهى الحفل من دون ان ينادي عريف الحفل اسم «الولد» الذي جاءت تلك العائلة لتفرح بتخرجه.. ولم يكن من سبيل سوى التوجه الى المسئولين في الجامعة لمعاتبتهم على التقصير الشنيع و«الكلفتة» التي جعلتهم يهملون تقديم شهادة التخرج في كلية الطب لشاب قضى فيها ست سنوات.. قال المسئولون إنه ليس من الوارد ان يكونوا قد نسوا مناداة أحد الخريجين، ولكنهم من باب قطع الشك باليقين راجعوا الكشوفات وأكدوا للعائلة أن كل خريج من الكلية نال شهادته.. بس ولدنا ما خد الشهادة؟ شو اسمه ها الولد؟ اسمه فلان بن فلتكان.. فتح المسئولون مكاتبهم وراجعوا قوائم الأسماء ثم قالوا للعائلة الغاضبة: ولدكم هذا تم فصله من الكلية منذ خمس سنوات بسبب الغياب والرسوب المتكررين! مش ممكن فقد ظللنا ندفع له الرسوم الدراسية بانتظام وفوقها مصاريف «الجيب»، بل اشترينا له سيارة قبل ثلاث سنوات ليستخدمها في الانتقال من وإلى الجامعة.. قالت إدارة الجامعة: ربنا يعوضكم وابحثوا عن فلوسكم لدى جهة أخرى.
عشرات بل مئات الطلاب العرب يعتبرون التعليم الجامعي فرض كفاية، فطالما هناك طلبة منضبطين ومجتهدين فلا تثريب عليهم إذا زوغوا واستهتروا بدروسهم واعتبروا المرحلة الجامعية مرحلة انفلات وصرمحة وصياعة.. التقيت في عاصمة آسيوية شابا عربيا يملك سيارة خاصة ويستخدمها لتوصيل الطلاب من وإلى جامعاتهم نظير أجور معلومة.. أرسله أهله للدراسة واشتروا له السيارة من باب «البرستيج».. وعرفت ان ذلك الشاب يتلقى من أهله مصاريف الدراسة والإعاشة بانتظام، ولكن ولأنه صايع «عصامي» فقد قرر زيادة دخله الشهري بتأجير سيارته وقد يعود الى أهله يوما ما حاملا ماجستيرا في «التاكسي»، وقد لا يعود.
في سوق شبردس بوش في لندن شاهدت أكثر من مرة شابا سودانيا يبيع بضائع «أي كلام» لا تزيد قيمتها مجتمعة على 30 جنيها استرلينيا، وسألته ذات يوم: شنو جبرك على الشغلانة هذه؟ فقال بكل صراحة إن أهله أرسلوه الى فرنسا للدراسة: والدراسة ما نفعت معي وبما ان فرنسا «غالية» فقد أتيت الى بريطانيا، وأهه نلقط شوية رزق في أوروبا والولايات المتحدة..
آلاف الشبان العرب ذهبوا الى دول الغرب للدراسة، وانتهى بهم الأمر يوزعون الوجبات السريعة من باب الى باب.. قلة منهم اضطروا الى ذلك بسبب قلة الحيلة ولكن الأكثرية فضلت الديسكو على «ديسك» الدراسة.. وأتعجب كثيرا عندما اسمع ان فلانا فوجئ بأن ابنه مثلا قطع علاقته بالجامعة منذ سنوات وهو «ما عنده خبر» بذلك.. الأمومة والأبوة لا تعني فقط توزيع الحنان والتدليل، بل قمة حب الأبناء والبنات ان نراقب أداءهم وسلوكهم في الدراسة وخارج البيت.. والولد يصيع والبنت تضيع لغياب الحد المعقول من الضبط والربط التربوي.. عندما كان أكبر أولادي يدرس في نيوزيلندا كان يعرف انه لو جاب سيرة «عربية» فسأحرمه من الميراث.. ومن دون يبلغني كان يعمل بعد انتهاء اليوم الدراسي في شركة كمبيوتر وجمع نحو 800 دولار أمريكي واشترى بها سيارة ولم أعلم بذلك إلا بعد ان تعرض لحادث كسرت فيه ساقه وبعدها علم معنى «ربنا على المفتري» ولم يكلف نفسه حتى عناء بيع سيارته الأثرية تلك لأنها كانت كشرة و«خردة».
[/JUSTIFY]
جعفر عباس
[email]jafabbas19@gmail.com[/email]