لقد حاولت الدولة أن تتمسك بالديمقراطية والشورى ورأت أنه من الأصلح والأفيد للولايات أن يكون الترشيح هو الأفضل لاختيار الولاة، وفي الترشيح يكون المرشح من أبناء الولاية نفسها، ولكن للأسف المرشحون كانوا وبالاً على مناطقهم وعلى أهلهم ولم تسلم أي ولاية من الصراعات والانقسامات والانشقاقات بسبب أولئك الولاة. ولا أظن أن هناك والياً واحداً وجد القبول والرضا من أهل الولاية، فإذا نظرنا إلى الوالي “أحمد عباس” فكم من صراع نشب بينه وأهل ولايته وحاول المركز أن يستبدله فرفض تقديم استقالته، وأخيراً ذهب إلى العمرة وجاء في نفس موقعه الوالي البروفيسور “الزبير بشير طه” فحفيت أقدام أهل الجزيرة وشكوا مر الشكوى من سياساته إلى أن أجبر على تقديم استقالته. والي شمال دارفور “عثمان محمد يوسف كبر” اشتد عليه الصراع من أهل منطقته وطالبوا بتغييره فرفض، وكل المحاولات التي استخدمها أهل الولاية لإبعاده لم تستمر أو فشلت، ولا ندري لماذا تتمسك القيادة بأشخاص تم رفضهم من جماهير الولاية، لذا فإن التعيين يعد ملزماً في حال أرادت الدولة اختيار بديل آخر لمن يفشل في أداء مهمته من الولاة.
الولاة المنتخبون بعد أن استقووا طوال تلك الفترة تمسكوا بالقانون ورفضوا أي محاولة لإقصائهم بحجة أنهم منتخبون، وهذه واحدة من الثغرات التي لا تستطيع الحكومة الدخول فيها أيضاً التمسك بالقانون، ولكن ما فائدة القانون لمن لم يؤدوا واجبهم تجاه الرعية، فهل يعقل أن ينتقل عدد كبير من سكان الولاية الفلانية إلى ولاية الخرطوم بحجة صعوبة المعيشة بالولايات، فأين الوالي.. لقد أصبحت ولاية الخرطوم سوداناً مصغراً، كل سكان الريف هجروا مناطقهم وهؤلاء يسرحون ويمرحون فلم يجدوا علاجاً لمشاكل الرعية التي وضعتهم على تلك الكراسي.
من الأسباب القوية التي حركت بعض الحادبين على مصلحة الوطن والولايات وطالبت بتعيين الولاة بدلاً من الانتخابات، تفشي القبلية والجهوية بمناطق السودان المختلفة، ولذلك أصبحت كل قبيلة تحاول أن تأتي بابنها ليعتلي سلم سلطة الولاية وهذه ظاهرة سيئة، فبدلاً من أن يعمل لمصلحة الجميع تكون القبيلة هي المحرك لهذا الوالي فيأتي بأهله وأسرته ومعارفه، بينما القبائل الأخرى لا تجد نصيباً في الولاية التي يحكمها الوالي الفلاني من القبيلة الفلانية، فمن الأفضل لهذا الوطن أن يظل متماسكاً وأن يتم اختيار الولاة بواسطة رئيس الجمهورية يعينهم ويقيلهم، وليس بالضرورة أن يكون الوالي من نفس المنطقة، علماً أن بعض الولايات ثارت على الولاة الذين جاءوا من غير الولاية المعنية وهذه مشكلة ثانية تحتاج إلى علاج.
المجهر السياسي
خ.ي