شاهدته لأول مرة من قرب إبان التظاهرات التي سببتها انتفاضة أكتوبر 1964م عندما رأيته محمولاً على أكتاف ما لا يقل عن نصف مليون من شباب الإخوان ومن مؤيدي التوجه الفكري والسياسي الإسلامي في تظاهرتهم بشارع الجامعة المتجهة جنوباًَ إلى جامعة الخرطوم، ورؤيتي له للمرة الثانية كانت في المقر العام للاتحاد الاشتراكي السوداني في الخرطوم، وكانت تلك هي المرة الأولى التي قابلت فيها الدكتور حسن عبد الله دفع الله الترابي مباشرة وجهاً لوجه، فأمعنت وكان عليه قميص من «البوبلين» الأزرق «نصف كم»، هذا فضلاً عن حذره الملحوظ عندما يلتقى لأول مرة شخصاً لا يعرفه جيداً، وإن سمع به أو عنه.
وكان اللقاء به في مكتبه بصفته نائب الأمين العام لأمانة الإعلام في الاتحاد الاشتراكي السوداني، ولا أذكر الآن ما الذي دار بيننا، ولا عن ماذا سألته، ولا بماذا أجاب، فشخصية الرجل لا تخلو من قوة تأثير كالسحر في الآخرين.
كان الإخوان المسلمون بزعامة الدكتور الترابي في عام 1977م «عام المصالحة بين الجبهة القومية المعارضة وحكم مايو» رقماً أساسياً في قيادة الجبهة القومية التي عارضت حكم نميري وبين الجبهة القومية المعارضة، ويعتبر الدكتور الترابي أحد أبرز عرابي المصالحة الوطنية بين قادة الجبهة القومية التي ضمت أحزاب الأمة والاتحادي الديمقراطي والإخوان المسلمين والحزب الشيوعي وأحزاب صغيرة أخرى.
و نسبة المصالحة الوطنية بين حكم مايو بقيادة المشير جعفر نميري ــ رحمه الله ــ من جانب ورئيسي الجبهة القومية الصادق المهدي والشريف حسين الهندي من جانب آخر، فيه ظلم للإخوان المسلمين، وإجحاف لدورهم الرئيس بقيادة عثمان خالد مضوي وآخرين معه في نجاح المصالحة الوطنية، ولعل حواراً صحفياً أجرته جريدة «الأيام» الغراء قبل (36) سنة مضت مع الدكتور حسن عبد الله الترابي الأمين العام لتنظيم الإخوان المسلمين، يكشف عن دور للإخوان بقيادته في المفاهمات التي تمت بنجاح بين الجبهة القومية والرئيس نميري رغم حراك اللوبيات اليسارية داخل الاتحاد الاشتراكي ضد المصالحة سياسياً وإعلامياً.
وفي ذلك الحوار الصحفي مع الدكتور الترابي حجج سياسية ومنطق قانوني برر بهما المصالحة لأهداف وطنية تعلو فوق الرؤي الحزبية التي لا تبصر غير مصالحها وتضعها في المصالح الوطنية العليا. والحوار متاح لمن يطلبه منشور في شهر يوليو عام 1977م.
الطيب شبشة
صحيفة الإنتباهة
ت.أ