ولما كان عنوان هذا العمود «الحق الواضح» فإني ولله الحمد اجتهد قدر طاقتي وجهدي ووقتي لبيان الحق الذي أدين الله تعالى به، وأطرحه بوضوح وجلاء لا يبقى معه غموض وإيهام، مسترشداً بالقواعد الشرعية في توخّي المنهجية الصحيحة في البيان والتوضيح وما تقتضيه المصلحة الشرعية، متبعاً لتوجيه الكتاب والسنة في هذه المهمة الشريفة، ومستنيراً بهدي السلف الصالح من الصحابة والتابعين رضي الله عنهم أجمعين، فأقول في هذه المسألة وهي : «المدة التي يحكم فيها الرئيس»:
لا يعرف في الفقه الإسلامي هذا المبدأ الذي اصطلح عليه في زماننا المعاصر بــ «التداول السلمي للسلطة»، والذي يعدُّ هو أحد أهم معالم ومظاهر «الديمقراطية»، إذ تنتهي فترة الحاكم أو حزبه في فترة أربعة أعوام ثم يعقبه ترشيح آخر عبر انتخابات أخرى إعمالاً لقاعدة الديمقراطية «الحكم بالشعب»!!
الذي يوجد في الفقه الإسلامي: اجتماع أهل الحل والعقد واجتماع كلمتهم بعد وفاة نبينا محمد عليه الصلاة والسلام على أفضل صحابة رسول الله صلى الله عليه وسلم فبايعوا أبا بكر الصديق صدّيق هذه الأمة رضي الله عنه، وخلافته يراها بعض أهل العلم نصّاً من النبي عليه الصلاة والسلام الذي استخلفه ليصلي بالناس في مرضه، وفي الفقه الإسلامي عهد أبي بكر لعمر بن الخطاب الخليفة الراشد صاحب الفتوحات ومن أطفأ الله به نار المجوس رضي الله عنهما، واستمر أبو بكر خليفة للمسلمين حتى موته فتولى عمر بن الخطاب الخلافة بعد وفاته إنفاذاً لعهد الصدّيق رضي الله وقيام المسلمين كلّهم بإنفاذ عهد الصديق، واستمر عمر بن الخطاب أكثر من عشرة أعوام خليفة للمسلمين حتى طعنه المجوسي أبو لؤلؤة فعهد قبيل وفاته إلى الستة الباقين من العشرة المفضلين وهم عثمان وعلي وطلحة والزبير بن العوام وسعد بن أبي وقاص وعبد الرحمن بن عوف رضي الله تعالى عنهم، فاختاروا من بينهم أفضلهم عثمان بن عفان رضي الله عنه فبايعوه ولزمت بيعته لجميع المسلمين تمت له الخلافة رضي الله عنه عن جدارة وعن اختيار موفق لأنه أفضل الباقين من العشرة فكان في ذلك الخير للمسلمين، وهكذا بقي عثمان رضي الله عنه خليفة للمسلمين حتى وفاته، وهكذا فترة الخليفة الراشد علي بن أبي طالب رضي الله عنه صاحب الفضائل الكثيرة استمرت وانتهت بموته.
وهكذا سارت الأمة الإسلامية في هذا التشريع أنها لا تعرف ما يسمى مدة محددة يتولاها الحاكم ثم يترك الحكم، ليس لسبب آخر وإنما لانتهاء المدة فقط، هكذا كان الشأن عند المسلمين في هذه القضية، وإن ما عليه كثير من المسلمين الآن في أنظمتهم في هذا الجانب لم يكن ليؤخذ من التشريع الإسلامي وإنما هو من العمل بما يسمى الديمقراطية، والديمقراطية يدّعيها الغرب وهو أكبر المروجين لها، وفي نفس الوقت هو أول من يخالفها، فليس لغربي أن يتبجّح بالديمقراطية وفي بعض بلاد الغرب لا تجد المسلمة حقوقها الرئيسة في ما تلبس بل تغرّم مبالغ مالية إن غطّت وجهها!! وليس للمسلمين أن يبنوا المآذن في المساجد في بعض تلك الدول.
فأخذ بعض المسلمين من الغربيين وغيرهم هذه الأنظمة والتزموا بها وصارت هي الأصل!! وكان الواجب على المسلمين أن يجتهدوا في بيان منهاج دينهم وطريقته في كيفية تولي الحاكم الحكم وشروط بقائه فيه وواجباته تجاه رعيته وحقوقه عليهم مما حفلت ببيانه كتب الأحكام السلطانية كالتي ألّفها الماوردي والفراء وابن تيمية وغيرهم رحمهم الله.
لا عزة لهذه الأمة إلا بالرجوع إلى ما كان عليه سلفها الصالح، وهذا هو التشريع النبوي وعمل الخلفاء الراشدين في المدة التي يبقى فيها الحاكم حاكماً للمسلمين، إنه لا تحديد لها بأربعة أعوام أو عشرة أو عشرين، وإنما هي منوطة بشروط ترجع إلى سلامة بدنه ومعافاته وعدالته وإقامته للصلاة وغير ذلك مما ذكر بتفصيل في المراجع التي أشرت إليها وفي غيرها.
وإذا كان الغرب لم يسر وفق ما يريد المسلمون في الكثير والكثير، بل يسير في أمور كثيرة ضد مصالح المسلمين سواء كانوا أفراداً أو مجموعات أو حكومات، «ولن ترضى عنك اليهود ولا النصارى حتى تتبع ملتهم».. إذا كانوا كذلك فما بال كثير من المسلمين يسارعون في تقليدهم والسير وفق ما توصلوا إليه مما يخالف ديننا وتشريعاتنا.
إن مسؤولية البيان والتوضيح، ومغبة كتمان الحق وعدم الإفصاح به توجب توضيح مثل هذه القضية، وغيرها من القضايا، فكل خير في اتباع من سلف وكل شر في ابتداع من خلف، فإذا أراد الحاكم الفتوى من أهل الحديث السلفيين من السائرين على المنهجية العلمية التي تهتدي بالنصوص الشرعية وتدرك مقاصدها المرعية فإنهم يقولون: لا مدة محدّدة للحاكم في حكمه بل هي مفتوحة إلى أن يشاء الله وعلى الحاكم أن يدرك تحقّق شروط الحكم من الأمانة والعدالة والديانة والقدرة على إدارة شؤون الرعية.. ولا يزال الناس بخير ما ساروا في رحاب العلم وما استضاءوا بنور الوحي وما اعتصموا بالكتاب والسنة، وصدق النبي الكريم: «تركت فيكم ما إن تمسكتم به لن تضلوا بعدي كتاب الله وسنتي».
صحيفة الإنتباهة
ت.أ