عصفور الحنين في سجن الكتراز
كتب الكثير من القصائد بالعامية، وظل مهموما بقضايا المجتمع وله مساهماته المقدره في مختلف القضايا والمواقف السياسية والاجتماعية، كل ذلك الإبداع كان كافيا لاختيار (شريف) نظرا لأعماله الشعرية ضمن أكثر الشخصيات المؤثرة في العالم، التي تُعرض حالياً بمتحف سجن الكتراز الأمريكي، وهو متحف يعنى بالفن، حيث تم وضع أجهزة للصوت لتمكن جمهور الزوار من سماع أصوات بعض من المغنين والخطباء والموسيقيين والكتاب والشعراء المختارين بعناية من عدة دول من مختلف أرجاء العالم ممن يمثل إبداعهم قيمة الحرية والكفاح، وتعرضوا للاعتقال وأبدعوا، وهم في محابسهم، ومن بين هؤلاء شاعرنا المجيد الراحل (محجوب شريف) الذي أُختير من قبل المعتقل (آي واي واي) ناشط حقوق الإنسان الصيني تحت الإقامة الجبرية من سجناء الرأي ونظم تلك الجائزة لأشهر سجناء الرأي إلى جانب كل من (مارتن لوثر كنج) و(بافل هاس) المؤلف الموسيقي وفكتور خارا المغني وكاتب الأغنيات الشيلي ويأتي اختيار شريف ضمن تلك الكوكبة من قبل مؤسسات حقوق الإنسان وفي مقدمتها منظمة العفو الدولية ضمن (12) شخصية نضالية حول العالم ومشاركته بقصيدة عصفور الحنين.
من الزنزانة كتب أروع القصائد
أكثر من عشرين عاما من عمر محجوب شريف داخل السجون في السودان سجن في سجن كوبر، سواكن، بورتسودان وشالا بشمال دارفور، وعندما كان في سجن بورتسودان وسواكن كتب قصيدة (عصفور الحنين) وقال فيها “رك عصفور الحنين في شبابيك الفؤاد، حن وتاوق للبيوت والسماوات البعاد للصباح طالع رباح، عمه في كتف البلاد كلما عسعس بيان عسكروا حول النشيد”، وتعرف داخل السجن على الناس وتعايش مع مشاكلهم وكان محبوبا.
صاحب مفردة بسيطة
يلتقط محجوب المفردات البسيطة الموحية من أفواه الناس وسجالاتهم اليومية ليعطيها من روحه وموهبته ما يحليها إلى أنشودة يتغنى بها الجميع، تغنى له فنان أفريقيا الأول محمد وردي (جميلة ومستحيلة)، وتغنت له فرقة عقد الجلاد بكثير من الأعمال (نقطة ضوء، صباح الخير مساء النور، بابا مع السلامة)، وله أيضا العديد من القصائد شبه الوحدة ونفديك يا سلم.
ذاكرة حديدية
لا يظهر محجوب على غير ما يكتب، أشعاره منسجمة تماما مع موقفه، وهو ما أكسبه بامتياز صفة شاعر الشعب، وجاء اللقب أيضا تكريماً له.. تنقل الشاعر في سجون الأنظمة المختلفة التي تعاقبت على حكم البلاد وقضى (13) عاما في سبعينيات وتسعينات القرن الماضى في سجون النميري والإنقاذ وغيرهما.
من أشهر أشعاره كتب أول (يا والدة يامريم)، كان يعتمد على ذاكرته ولا يكتب على ورق لأن ذاكرته هي السجل الدائم والأمين لأشعاره وحافظته المتقدة التي تبقى معه رفيقة وصديقة، يستحضر منها الشعر كيفما أراد.
رد الجميل للشعب
عانى مع المرض كثيرا وتوفي شريف بمرض التليف الرئوي الذي أصابه بفعل الرطوبة العالية التي تعرض لها إبان حبسه في السجون، الشعب السوداني وقف خلف علاجه وعمل على دعمه لتوفير تكاليف العلاج، وعمل منظمة رد الجميل لأن الشعب وقف معه في محنته المرضية .
آخر أعماله كتب لزوجته (حبتني وحبيتها) وحفيد ابنته حميد و(من وجداني صحة وعافية)، وقبل الرحيل بأيام كتب محجوب آخر قصائدة وداع خاطب فيها (القاص والداني)، وشكر فيها (الأرض الجابتني)، حين سرت إشاعة برحيل محجوب قبل فتره جاءت قصيدته التي رثى فيها نفسه ذاكرا فيها أن الموت الذي يخافه هو ما سقاه موت الضمير وليس سواه، قال “أقول دون رهبة، أقول دون زيف، أموت لا أخاف أين أو متى وكيف”.
تشييع مهيب
وفي يوم وفاته شهدت مدينة أم درمان الثورة الحارة (21) حشداً من جميع أطياف الشعب السوداني شيع جثمانه من الـ (21) إلى مقابر أحمد شرفي بأرجلهم .
اليوم التالي
خ.ي