كما ارتبط مفهوم الرجولة من حيث الشكل والمظهر الخارجي بالخشونة ، والقوة ، والصلابة البدنية ، وغلظة الصوت ،وكثافة الشارب (الشنب) ، وسرعة الحركة ، وسرعة المشي ..وقلة (الثرثرة)، وعدم البكاء ، فمن غير اللائق أن يعبر (الرجل) عن غضبه أو مشاعره بالبكاء لأن هذا الأمر يعتبر (عيباً) اجتماعياً.. تلك كانت مواصفات الرجولة من حيث الشكل والمظهر الخارجي ، وبالتالي فإن أي شخص لا تتوافر فيه تلك (المظاهر) يوصف بعدم الرجولة ، والمياعة و (الخيابة) .
فالرجولة بهذا (المفهوم) التقليدي وصف اتفق العقلاء على مدحه والثناء عليه، ويكفيك إن كنت مادحا أن تصف إنسانا بالرجولة، أو أن تنفيها عنه لتبلغ الغاية في الذمّ والاهانة. ومع أنك ترى العجب من أخلاق الناس وطباعهم، وترى مالا يخطر لك على بال، لكنك لاترى أبدا من يرضى بأن تنفى عنه الرجولة. ورغم اتفاق جميع الخلق على مكانة الرجولة إلا أن المسافة بين واقع الناس وبين الرجولة ليست مسافة قريبة، فالبون بين الواقع والدعوى شاسع، وواقع الناس يكذب ادعاءهم.
والآن ومع كثرة حوادث الاغتصاب والشذوذ والتحرش الجنسي وما يماثلها من جرائم أخلاقية ، ومع تزايد اقبال (الذكور) على أدوات ومنتجات (التجميل) وعمليات التجميل الجراحية ، ومع انتشار (الليونة) (والخلاعة) ، و(المياعة) ، والمظهر (الناعم) الذي يكاد يتطابق تماماً مع مظهر (الانثى) تؤكد بالفعل أننا أمام حالة من تغير مفاهيم الرجولة في مجتمعاتنا ..
هذا التغيّر في مفهوم الرجولة ومظاهرها يعود في المقام الأول الى تأثيرات (خارجية) مثل العولمة ، والتغريب ، والفقر ، والبطالة ،وغياب القانون ..وغياب القدوة والراعي الصالح الذي يحتذي به الأبناء لدى أغلبية الأسر ، وكثرة الضغوط الاقتصادية ،ووجود أنظمة استبدادية تمارس القهر والتسلط والتعذيب كلها عوامل أدت الى تغير المفهوم القيمي (للرجولة) كما أن الإحساس بعدم (الأمان السياسي) ، وتحول المستقبل السياسي الى شيء (مجهول) وغامض الملامح يدفع الى الانحراف الاجتماعي كما أن تفكك الأسرة أيضاً عامل مهم لحالة عدم ا(لانضباط القيمي والأخلاقي) في المجتمع ..وليس فقط (مفاهيم الرجولة) هي التي تغيرت ولكن منظومة القيم الاجتماعية والأخلاقية بكاملها أوشكت على التغيير.
تغير (مفهوم) الرجولة أدى إلى ظهور مفهوم موازي له (شكلا) ألا وهو مضمون (الذكورة) (الراجل الضكر) ..والذي من احدى معانيه (القوة الجنسية العالية) ، والتباهي بالقدرة الجنسية ، والتجرد من الاخلاق والشهامة ، و محاولة اشباع (الرغبة الجنسية) بأي طريقة وبأي شكل ومع أي كائن حيّ حتى مع (الحمير) والبهائم!!!
والسؤال هنا كيف يمكن ارجاع (مفهوم الرجولة) إلى (أصوله) ؟! وهل هناك حاجة (ملحة) الى إعادة (العمل المجتمعي) وتكريس قيم الحوار ، وفتح باب الحريات ، والاختلاف في الرأي ، وتوفير فرص العمل، وتشكيل ظروف اقتصادية جيدة ؟؟؟وهل إذا تحسنت الظروف الاقتصادية والاجتماعية تعود المفاهيم والقيم الاجتماعية (النبيلة) إلى مضامينها الحقيقية ؟
تهاني عوض