ساعـــات المخـــاض… الـــوزراء الجـــدد تحـــت الضـــوء!

[JUSTIFY]
ساعـــات المخـــاض… الـــوزراء الجـــدد تحـــت الضـــوء!

كان مساء السبت من أطول الليالي في تاريخ تكوين الحكومات في السودان، ليل طويل مرهق وغامض ساد فيه قلق كثير، جموع من الصحافيين ومراسلي وكالات الأنباء والفضائيات المحلية والدولية، تجمعوا حول مبنى قيادة حزب المؤتمر الوطني، لمتابعة المرحلة الأخيرة لإعلان وزراء الحزب الذي يشكل العمود الفقري والفعلي للحكومة والنظام القائم..
كلٌ على طريقته يتابع ما يجري في اجتماع المكتب القيادي للمؤتمر الوطني برئاسة رئيس الحزب ورئيس الجمهورية…
تتساقط الأخبار والتلفيقات والتخمينات كزخات المطر، ولم تهدأ الهواتف الذكية من استقبال الرسائل والبيانات والصور والتأليفات، بينما توزَّع الصحفيون في فناء الدار الفسيحة، يتبادلون ما عندهم من معلومات ويُخفون عن بعضهم الأسرار والتسريبات الخاصة..
ضُرب سياج محكم من التأمين والضبط الأمني على الاجتماع في قاعة المكتب القيادي بالطابق العلوي للمبنى، وانتشر الجميع زرافات ووحدانا، وطال بهم الانتظار وهم جيئة وذهابًا ما بين الأبواب والمداخل والممرات والفناء..
وردت معلومات شحيحة لكنها كانت صحيحة، مبعثها إما رسالة عبر الواتساب أو الفايبر أو رسالة نصية مرسلة من الداخل، وقد ساد اعتقاد عند من هم بالخارج أن هناك تشويشاً إلكترونياً تم تشغيله وتفعيله لحجب خدمة الهواتف السيارة عن القاعة، لكن ذلك كان تخيلاً لا صحة له لأنه بالفعل، كانت التسريبات تترى…
وانتصف الليل والاجتماع المغلق لم ينفضّ، ولم يُفتح الباب إلا لخروج عضو من أعضاء المكتب القيادي تم ترشيحه وطُلب منه الخروج لإجراء لوازم الجرح والتعديل.. وبالفعل خرج نافع وعلي عثمان وعوض الجاز وغيرهم ثم عادوا مرة أخرى لمواصلة الاجتماع..
وبعد أن تجاوزت الساعة منتصف الليل بساعة ونصف عند الواحدة وخمس وثلاثين دقيقة من فجر الأحد، سُمعت همهمات وأصوات أبواب تُفتح وأقدام تطقطق على درجات السلم، عُلم منها أن الاجتماع قد انفضَّ سامرُه وتسابق الجميع نحو منصة نُصبت عليها لواقط الأصوات للقنوات الفضائية أُعدت للتصريحات عند مدخل المبنى.. وبعد لحظات ظهر الرئيس البشير يمشي وهو يضاحك علي عثمان محمد طه وأحمد إبراهيم الطاهر ونافع علي نافع ود. سعاد الفاتح… والجميع بادٍ عليه الارتياح، وحيّا الرئيس جمع الصحافيين الحاشد.. وغادر المكان.. وتمهل د. نافع ووقف أمام المنصة ليعلن نتائج الاجتماع وما تمخض عنه وهو الإعلان عن وزراء المؤتمر الوطني في الحكومة الجديدة التي ستُعلن في اليوم التالي..
أُعلنت الأسماء.. ورُفع الغطاء عن مرحلة جديدة من عمر الإنقاذ، غادر فيها عدد من الآباء المؤسسين لهذا المشروع منذ ولادته قبل أربع وعشرين سنة… طُويت صفحة كاملة.. لكن المفاجآت كانت كبيرة..
جاء التغيير مدوياً… حيث بدأ من مؤسسة الرئاسة التي ذهب منها علي عثمان كنائب أول ود. الحاج آدم يوسف نائب الرئيس، ود. نافع علي نافع مساعد الرئيس.. وهو تغيير غير مسبوق، فقد ترجل هؤلاء في وقت ظنَّ فيه البعض أن وجودهم لا بد منه ولن تبحر سفينة الحكم إلا بهم.. لكن طواعية اختاروا الذهاب والبدء في الإصلاح والتغيير بأنفسهم..
> تم تعيين الفريق أول بكري حسن صالح نائباً أول لرئيس الجمهورية، وهو أحد أهم رجالات الإنقاذ والعضو الوحيد المتبقي في السلطة منذ قيام الإنقاذ، من أعضاء مجلس قيادة الثورة التي قادت التغيير الحالي عبر الانقلاب العسكري في «30» يونيو «1989م»، ولم يغادر الفريق بكري السلطة منذ ذلك اليوم وزيراً في عدة وزارات ومسؤولاً عن جهاز الأمن، وظل فاعلاً وقريباً من صنع القرار وكان جزءًا من المطبخ السياسي والتنفيذي لم يغادره قط، يعرف دقائق وخفايا ما جرى وما يحدث طوال هذه السنوات، ويتابع عن كثب مجريات الأمور ومخزن أسرار عميق الغور يُحيط بكل الملفات الخاصة وتفاصيلها، وتمت تهيئة الفريق بكري لهذا المنصب منذ اختياره نائبًا للأمين العام للحركة الإسلامية ودخوله المكتب القيادي للمؤتمر الوطني.. وجاء اختياره بحق ولاعتبارات معلومة من بينها تمثيله للمؤسسة العسكرية التي سيكون دورها السياسي باقياً وفاعلاً لا ينتهي..
> واختير حسبو محمد عبد الرحمن وزير الحكم اللامركزي نائبًا للرئيس، وهو الأمين السياسي للمؤتمر الوطني وكادر تنظيمي وثيق الصلة بالأجهزة التنظيمية الخاصة وبالنشاط السياسي العام، لكن لاعتبارات مناطقية وتمثيل دارفور ولخبرته السابقة في العمل التنفيذي والمجال الطوعي وخبراته الإدارية وتجربته النيابية كرئيس لكتلة دارفور بالمجلس الوطني، رفعت كلها من أسهمه، هو من أبناء نيالا، درس الآداب في جامعة القاهرة وتخرج فيها نهاية عقد الثمانينيات، وعُرف عنه نزوعه نحو التوافق والبُعد عن التحيزات الجهوية والقبلية وعلاقاته الممتدة المتصلة مع الجميع..
> عُرف عن البروفيسور إبراهيم غندور مساعد رئيس الجمهورية نائب رئيس المؤتمر الوطني لشؤون الحزب.. أنه سياسي من طراز فريد فهو رجل ديناميكي يجمع ما بين الحنكة والحكمة واللطف والصرامة والحزم والخبرة والدراية، ظل فاعلاً في الملعب السياسي لم يفارقه قط، كانت له أدوار عديدة في ملفات كثيرة أنجزها بكفاءة، من أكثر السياسيين صلة بكل الطيف الفكري والسياسي، قليل الأعداء كثير الأصدقاء في الداخل والخارج، ويُحسب له نجاحات متعددة ومختلفة في مجالات مهنية وأكاديمية ونقابية وسياسية، فوجوده اليوم في قيادة المؤتمر الوطني ومساعداً للرئيس في المكان الذي كان يشغله رجل بحجم د. نافع يعني أن غندور على قدر المهمة الصعبة ولن يكون عطاؤه أقل من نافع على الإطلاق ويمثل دفعة ونقلة جديدة للحزب وكسباً له في المرحلة المقبلة..
> لم يخلُ التشكيل الوزاري في مواقع الوزراء ووزراء الدولة من مفاجآت كبيرة، فخروج عوض الجاز وأسامة عبد الله والمتعافي وعلي محمود وكمال عبد اللطيف وخميس كجو وعيسى بشري من مواقعهم الوزارية كان مؤشراً بأن هذا التغيير له أكثر من رسالة وأكثر من معنى..
راعى التشكيل الجديد التوازنات الجهوية والأطياف الاجتماعية والتشكيلات المختلفة والتيارات العمرية والسنية في داخل المؤتمر الوطني، وأعطى إحساساً أن التغيير جاء ملبياً لتطلعات كبيرة وطموحات أكبر لدى مجموعات سكانية وأطراف كانت بعيدة من التمثيل والمشاركة في السلطة على مر الحقب..
> من غبيش بولاية غرب كردفان، جاء عبد الواحد يوسف أحد أبرز الوجوه الشبابية إلى وزارة الداخلية، تسنده خبرة أمنية وسياسية وتنفيذية طويلة حيث عمل بجهاز الأمن ثم معتمداً في غبيش وسودري ثم وزيراً ولائياً ونائباً للوالي في شمال كردفان ووزير دولة بالمعادن ووزير دولة بالصناعة وهو شاب خلوق على قدر كبير من الوعي والحكمة وستشهد الوزارة على يديه تطورات كبيرة فهو خير خلف لخير سلف فقد كان الوزير المهندس إبراهيم محمود رباناً ماهراً قاد وزارة الداخلية بحنكة سياسية وإدارية وحقق فيها إنجازات كبيرة، ستعين عبد الواحد على مواصلة العمل باقتدار..
> من الوجوه الشبابية معتز موسى في زارة الكهرباء وأحمد محمد صادق الكاروري في وزارة المعادن وكلاهما خبر العمل لسنوات طويلة مع أسامة عبد الله في سد مروي ثم وحدة السدود ثم وزارة الكهرباء والسدود، وكانا من أهم قيادات العمل التنفيذي مع أسامة ولديهما من الخبرة والكفاءة والتجربة ما يؤهلهما لقيادة هاتين الوزارتين، ويمثلان الشباب وجيلاً جديدًا من القادة سيكون له دوره في رسم معالم مستقبل البلاد وحكم الإنقاذ..
> جاء الطيب حسن بدوي إلى وزارة الثقافة بعد تجربة ناجحة في وزارة الشباب والرياضة بولاية الخرطوم، وهو كادر سياسي من جيل الشباب أيضاً مهدت له إنجازاته ونجاحاته الطريق للوزارة الاتحادية، وسيهزم بلا شك الشكوك حول هضم الثقافات الأخرى في البلاد وأكذوبة الحجر على الأنماط الثقافية الطرفية، فهو من أبناء النوبة بجنوب كردفان ويمثل جيلاً جديداً منفتحًا ومتفتح الذهن على كل قضايا وهموم الوطن..
وزراء الدولة بينهم قيادات عسكرية وكوادر مهنية وسياسية معروفة..
> اللواء يحيى محمد خير وزير الدولة بوزارة الدفاع قائد عسكري معروف تولى دحر تمرد مالك عقار بالنيل الأزرق وعُين والياً مكلفاً بولاية النيل الأزرق، حملته خبرتُه وميزتُه العسكرية وصيتُه بجناحين إلى قيادة الوزارة مع الوزير الباقي في مكانه عبد الرحيم محمد حسين..
> الأستاذ ياسر يوسف إبراهيم من أبرز شباب المؤتمر الوطني، ظل فاعلاً وناشطاً منذ الجامعة في الأمانات الطلابية والشبابية حتى تولى أمانة الإعلام بالمؤتمر الوطني، وهو شاب مثقف ورزين وهادئ وعميق التفكير والنظر، من أبناء مدينة القضارف، ركم تجربته في العمل السياسي والنقابي وكان الأمين العام لاتحاد الشباب العربي الإفريقي، قُربه من قيادة الدولة والحزب وإمساكه بمف الإعلام أهَّله بجدارة لتبوؤ منصب وزير الدولة بالإعلام وهو صاحب أفكار ومبادرات ستفتح الباب أمام تطوير هذه الوزارة ومعالجة اختلالاتها وله رصيد وافر من العلاقات بالحقل الإعلامي وهو منه… وهذا يجعله قادرًا على التواصل مع العاملين فيه وبناء جسور ثقة جديدة وترجمة أفكاره وتصوراته لإصلاح الشأن الإعلامي وتجويده..
> د. عبيد الله محمد عبيد الله الأستاذ بجامعة الخرطوم والمهتم بقضايا الفكر والسياسة، من الشباب الجديد دُفع به إلى إحدى وزارات القطاع الاقتصادي، وهو صاحب أفكار كبيرة ورؤية كلية للأشياء، عمل في المجال السياسي في أمانات الحزب في مواقعها القيادية وله علاقات أفقية ورأسية مع التكوينات السياسية والاجتماعية المختلفة، وهو متحدر من أعرق بطون المسيرية في غرب كردفان اكتسب خصائص أهله البقارة في الإقدام والوفاء وحسن التدبير سيضيف الكثير لموقعه الوزاري..

غدًا نواصل..
[/JUSTIFY]

أما قبل – الصادق الرزيقي
صحيفة الإنتباهة

Exit mobile version