لعل هذه الزاوية الصحفية الوحيدة التي لم تتحدث عن موضوع التقاوى الفاسدة.. ربما لأن كاتب الزاوية يرى الأمر من باب الفساد الأصغر يعني شنو تقاوى فاسدة إذا كانت الأخلاق.. القيم.. نظم العدالة كلها فاسدة.. ويشغلني أكثر من أمر التقاوى ما حكاه لي الصديق نجم الدين قناوي أحد رواد صحافة الجريمة.. ولا يفوتني أن أزف له التهنئة ورفاقه بميلاد جمعية « صحفيون ضد الجريمة» ونواياها الخيرة والوثابة متمنياً لهم التوفيق واستمرار الحماس.. لأن آفة مجتمعنا أن المشاريع تبدأ بحماس شديد ثم يقل الحماس وتنطفيء جذوته.
المهم أنني لم أنشغل بأمر التقاوى الفاسدة على طريقة ضربوا الأعور في عينو قال أصلها خسرانه.. لكن انتبهت إلى أنه أمر جلل بل شأن حضاري وأنا أطلع على بحث عن الاختناقات في الاستجابة العربية للتكنولوجيا للباحث الفلسطيني «بادي الخطيب» وفي جزئية من البحث المهم قرأت العبارة التالية:- «الأهم من إنجاب الأطفال هو تربيتهم التربية السليمة القويمة، والأهم من غرس الحقول هو تأمين السماد وعوامل نجاح المحصول».. لاحظ أنه لم يشر إلى التقاوى لأن بداهة عملية تأمينه الأهم.. العبارة جعلتني انتبه إلى أن أمر التقاوى الفاسدة خطل كبير.. وأمر عظيم وأننا ما زلنا نتخبط في مشاريعنا كلها.. وإن أصحاب الشأن كان همهم غرس الحقول فقط.. وتغافلوا عن الأهم..
أما ما ذكره نجم الدين قناوي عندما سألته عن آخر أخبار القضايا والحوادث قال لي: هنالك رجل باع زوجته لمغترب بخمسين مليوناً من الجنيهات فقط.. وكان يمكن أن يمر الأمر مرور الكرام لولا استخراج الرقم الوطني الذي عبره تم اكتشاف البيعة الفاسدة.. إذن يستحق مشروع الرقم الوطني تحية وتستحق الفكرة تصفيقاً.. لكن تفاصيل القضية ستقرأونها في صفحات الجريمة فما زالت القضية قيد النظر.. ألا تهون قضية التقاوى الفاسدة أمام هذه البيعة الغريبة.. درجنا في مثل هذه الأمور أن نقول «الدخيلة على مجتمعنا» كأنما مجتمعنا بلغ من الطهر مداه.. فكل أمر تدهشنا تفاصيله الشوهاء نسميه دخيلاً على مجتمعنا وهو لا دخيل ولا حاجة.. استمعت إلى مسؤول في التلفاز يتحدث عن منظر ستات الشاي في زوايا المدينة على أنه ملمح غير حضاري وتناسى أننا منعنا المظهر الحضاري المتمثل في المقاهي والتي نراها في كل المدن العربية القاهرة.. جدة.. الرياض وغيرها.. فوجدت أن ستات الشاي بديل موضوعيا لمحاربة المقاهي وللتضييق على الممارسات الاجتماعية الحلال بحجج واهية.
إذا عدنا إلى موضوع التقاوى الفاسدة نجد أن كل الزوبعة تمخضت عن توطين التقاوى وتوفيرها محلياً.. إذن كان ذلك ممكناً ومتاحاً فلماذا الاستيراد أصلاً.. والتقاوى أهم من السماد في العملية الزراعية فأي تفريط هذا؟
يا خوانا والله تصفعني الشركات الأجنبية الاستثمارية التي ملأت المدينة وخدماتها هي حفر الآبار وصناعة الطوب الأسمنتي.. وكل المطلوب حفارات.. وبعض الأدوات البسيطة.. فهل تحتاج مثل هذه الاستثمارات إلى أجانب.. وفي مقدور أي مستثمر سوداني أن ينشئها.. قال لي مواطن عادي إن السبب ليس كسلنا وتقاعسنا.. بل التسهيلات التي يجدها المستثمر الأجنبي ولا تتوفر للمستثمر السوداني.. فإن صح ذلك فنحن نحارب ذواتنا.. ونحارب التنمية.. ونقطع باب الرزق عن المواطن السوداني لنتيحه للمواطن الأجنبي.. أليس هذا في حد ذاته فساداً أكبر من فساد التقاوى.
عموماً لا أجد سوى أن أهتف: سجم أمنا عاد!!
الصباح..رباح – آخر لحظة
[EMAIL]akhirlahzasd@yahoo.com[/EMAIL]